للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يريد لم أتكلم، لكني سكت، وورود "لكن" هنا مشكل، لأنه لابدّ أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها، نحو ما هذا ساكنًا، لكنه متحرك، أو ضد له، نحو ما هو أبيض، لكنه أسود.

ويحتمل أن يكون التقدير هنا: فلما رأيتهم يسكتوني لم أكلمهم، لكني سكت، فيكون الاستدراك لرفع ما توهم ثبوته، مثل ما زيد شجاعًا، لكنه كريم، لأن الشجاعة

والكرم لا يكادان يفترقان، فالاستدراك من توهم نفي كرمه.

ويحتمل أن تكون "لكن" هنا للتوكيد، نحو: لو جاءني أكرمته، لكنه لم يجئ, فأكدت "لكن" ما أفادته "لو" من الامتناع، وكذا في الحديث أكّدت "لكن" ما أفاده ضربهم من ترك الكلام. انتهى.

(فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي سَلَّمَ من صلاته (دعاني، بأبي وأمي هو) الجارّ والمجرور متعلق بمحذوف خبر لـ"هو" مقامًا عليه، أي هو: مَفْديٌّ بأبي وأمي.

(ما ضربني) تأديبا على ما أسأت في صلاتي بقولي: يرحمك الله (ولا كهرني) من باب منع، قال أبو عبيد: الكَهْر: الانتهار، وقيل: العُبُوس في وجه من يلقاه. انتهى. وقرأ ابن مسعود - رضي الله عنه - {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: ٩].

والمعنى أنه أي لم ينتهوني، ولا أغلظ لي في القول، ولا استقبلني بوجه عَبُوس على ما فعلت من المخالفة في الصلاة.

(ولا سبني) أي لم يُعَيّرني على ما جنيت (ما رأيت معلّما قيله، ولا بعده أحسن) بالنصب مفعول ثان لـ"رأيت"، إن كانت علمية، أو منصوب على الحال، إن كانت بصرية، أي ما علمت، أو ما أبصرت قلبه - صلى الله عليه وسلم -، ولا بعده مُعَلِّمًا أحسن (تعليما) منصوب على التمييز، أي من حيث التعليم (منه) أي من النبي - صلى الله عليه وسلم -.

(قال) - صلى الله عليه وسلم -: (إن صلاتنا هذه) يعني مطلقَ الصلاة، فيشمل الفرائض والنوافل (لا يصلح فيها شيء) وفي رواية "لا يحلّ". و"يصلح" -بضم اللام، وفتحها-، يقال: صلَحَ الشيءُ صُلُوحًا، من باب قَعَدَ، وصَلَاحًا أيضا، وصَلُحَ يصلحُ -بضم اللام فيهما- لغةٌ، وهو خلاف فسد، وصلَحَ يصلَح -بفتحتين- لغةٌ ثالثة. أفاده في "المصباح".

(من كلام الناس) بيان لـ"شيء"، أي ما يجري في مخاطباتهم ومحاوراتهم.

قال الشوكاني رحمه الله: و"كلام الناس" اسم مصدر يراد به تارةً ما يُتكلّم به، على أنه مصدر بمعنى المفعول، وتارةً يراد به التكليم للغير، وهو الخطاب للناس، والظاهر أن المراد به ها هنا الثاني بشهادة السبب. انتهى (١).


(١) "نيل الأوطار" ج-٣ ص ٢١١.