للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومنها: أن من أقرّ بالشهادتين، واعتقد ذلك جزمًا كفاه ذلك في صحة إيمانه، وكونه من أهل القبلة، ولا يكلف مع هذا إقامة الدليل والبرهان على ذلك، ولا يلزمه معرفة الدليل، وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور، كما قاله النووي رحمه الله -تَعَالَى-. والله سبحانه وتعالى أعلم.

المسألة الخامسة: في بيان اختلاف العلماء في حكم الكلام في الصلاة:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله -تَعَالَى-: أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدا لكلامه، وهو لا يريد إصلاح شيء من أمرها أن صلاته فاسدة.

واختلفوا فيمن تكلم في صلاته عامدا يريد إصلاح صلاته، فقالت طائفة: عليه الإعادة، وممن هذا قولُهُ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

وقالت طائفة: من تكلم في صلاته في أمر عذر، فليس عليه شيء، فلو أن رجلا قال للإمام، وقد جهر بالصلاة بالقراءة في صلاة العصر: إنها العصر، لم يكن عليه شيء، ولو نظر إلى غلام يريد أن يسقط في بئر، أو مكان، فصاح به، أو انصرف إليه، أو انتهره، لم يكن عليه بذلك شيء. هذا قول الأوزاعي، واحتجّ بأن ذا الشمالين قد تكلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد تكلم عمر بن الخطاب مع النبي- صلى الله عليه وسلم -.

وقد حُكي عن مالك أنه سئل عمن صنع في صلاته مثل ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم ذي اليدين حين كلم الناس، وكلموه؟ قال: أرى أن يصنع في ذلك كما صنع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يخالف فيمن سن فيه، فإنه قال: "أنس لأسُنَّ" (١)، فقد سنّ، فأرى أن يبني هو ومن كلمه على ما صلّوا، ولا ينبذوا صلاتهم، ولا يخالفوا ما صنع رسول - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن المنذر رحمه الله: أما الإمام فإذا تكلم، وهو عند نفسه أنه خارج عن صلاته، وقد أكملها، فصلاته تامّة إذا أكملها، وأما القوم الذين خلفه، فإن كانوا قد علموا أن إمامهم لم يكمل صلاته، فكلموه، وهم يعلمون أنهم في بقية من صلاتهم، فعليهم الإعادة، لأن حالهم خلاف من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجهين:

أحدهما: أن الفرائض قد كان يزاد، وينقص منها، ويُنقَلون من حال إلى حال، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم، ألا ترى إلى قول ذي اليدين: "أقصرت الصلاة، أم نسيت؟ " فلم يكن من كلام (٢) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت مستيقن أنه متكلم في الصلاة،


(١) هو ما رواه مالك في "الموطإ" أنه بلغه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إني لأنسى، أو أنسّى لأسنّ". قال السيوطي: قال ابن عبد البرّ: لا أعلم هذا الحديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسندا، ولا مقطوعا من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في "الموطإ" التي لا توجد في غيره مسندة، ولا مرسلة، ومعناه صحيح في الأصول. انتهى "تنوير الْحَوَالِك".
(٢) هكذا نسخة "الأوسط" ولعل الصواب "فلم يكن مَنْ كَلَّم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت مستيقنًا إلخ".