والمراد أنه يطرح المشكوك فيه، وهو الزائد، فلا يأخذ به (وليبن على اليقين) أي ليُتمّ صلاته على المتيقّن، وهو الأقلّ، فإذا شكّ هل صلى ثلاثًا، أم أربعًا، فليُلغ الرابعة المشكوك فيها، وليبن على الثلاث المتَيَقَّنة.
وهذا فيما إذا لم يترجح له أحد الطرفين، وإلا فليبن على ما ترجّح له، ثم ليسجد سجدتي السهو بعد السلام، عملًا بالأحاديث الآتية في الباب التالي، وبهذا تجتمع الأدلة من غير إلغاء لبعضها. وسيأتي تحقيق الخلاف في ذلك في المسألة السادسة، إن شاء الله تعالى.
(فإن استيقن بالتمام) السين والتاء زائدتان للتوكيد، أي أيقن بتمام صلاته بإتيانه بالركعة المشكوك فيها (فليسجد سجدتين، وهو قاعد) أي والحال أنه قاعد، زاد في رواية لأبي داود من طريق مالك:"قبل التسليم".
وفيه أن محل السجدتين إذا لم يترجّح له أحد الطرفين يكون قبل السلام.
[فإن قيل]: هذا يعارضه حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الآتي في الباب التالى حيث إن فيه أن محلهما بعد السلام.
[أجيب]: بأنه لا تعارض بينهما لأن هذا فيما إذا لم يكن له ميل إلى أحد الطرفين، وذاك محمول على ما إذا كان له تحرّ وميل إلى أحد الطرفين، كما سيأتي تحقيق ذلك، إن شاء الله تعالى.
(فإن كان صلّى خمسًا) أي أتى بركعة خامسة سهوًا (شفعتا له صلاته) أي صيّرت السجدتان صلاته شفعًا بعد أن كان وترًا بالخامسة، فكان كأنه صلى ست ركعات.
ويحتمل أن يكون المعنى: أنه إن أتمّ صلاته، وزاد ركعة خامسةً سهوًا، فالسجدتان تجعلان تلك الركعة الزائدة شفعًا، فكأنه صلى ركعتين نافلةً بعد الفريضة، والمعنى الأول أظهر. والله تعالى أعلم.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: في هذا الحديث بيان فساد قول من ذهب إلى أن من صلى خمسًا يُضيف إليها سادسةً، إن كان قد قعد في الرابعة، واعتلّوا بأن النافلة لا تكون ركعةً (١)، وقد نصّ على أن تلك الركعة تكون نافلة، ثم لم يأمره بإضافة أخرى إليها انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: فيما قاله الخطابي -رحمه الله- تعالى نظر، فإن الحديث نصّ على أن السجدتين تشفعان صلاته، فيكون في حكم من صلى شفعًا، فليست