للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

طلحة رضي الله تعالى عنهم، وإن شاء صلى بهذا مرة، وبهذا مرةً، وهكذا، ولا يجمع بين ألفاظها المختلفة.

وكذلك إذا تشهد، فإن شاء تشهد بتشهد ابن مسعود، وإن شاء تشهد بتشهد ابن عباس، وإن شاء بتشهد ابن عمر، وإن شاء بتشهد عائشة -رضي الله عنهم- أجمعين.

وكذلك في الاستفتاح إن شاء استفتح بحديث علي، وإن شاء بحديث أبي هريرة، وإن شاء باستفتاح عمر -رضي الله عنهم- أجمعين، وإن شاء فعل هذا مرةً، وفعل هذا مرةً.

وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع، إن شاء قال: "اللَّهم ربنا لك الحمد"، وإن شاء قال: "ربنا لك الحمد"، وإن شاء قال: "ربنا ولك الحمد"، ولا يستحبّ له أن يجمع بين ذلك.

وكذلك الداعي بدعاء الصديق -رضي الله عنه- يقول مرةً: "ظلمت نفسي ظلماً كثيراً"، ومرّة يقول: "كبيراً"، ولا يجمع بين اللفظتين.

وقد احتجّ غير واحد من الأئمة، منهم الشافعي رحمه الله على جواز الأنواع المأثورة في التشهدات، ونحوها بالحديث الذي رواه أصحاب الصحيح، والسنن، وغيرهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف"، فجَوّز النبي -صلى الله عليه وسلم-، القراءة بكلّ حرف من تلك الأحرف، وأخبر أنه "شاف كاف"، ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك الأحرف على سبيل البدل، لا على سبيل الجمع، كما كان الصحابة يفعلونه.

(الرابع): أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة في آن واحد، بل إما أن يكون قال هذا مرة، وهذا مرة، كألفاظ الاستفتاح، والتشهد، وأذكار الركوع، والسجود، وغيرها، فاتباعه -صلى الله عليه وسلم- يقتضي أن لا يجمع بينها، بل يقال هذا مرة، وهذا مرة، وإما أن يكون الراوي قد شكّ في أيّ الألفاظ قال، فإن ترجّح عند الداعي بعضها صار إليه، وإن لم يترجّح عنده بعضها كان مخيّراً بينها، ولم يشرع له الجمع، فإن هذا نوع ثالث لم يُروَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيعود الجمع بين تلك الألفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال، لأنه قصد متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ففعل ما لم يفعله قطعاً.

(الخامس): أن المقصود إنما هو المعنى، والتعبير عنه بعبارة مؤدية له، فإذا عبّر عنه بإحدى العبارتين حصل المقصود، فلا يَجمع بين العبارات المتعددة.

(السادس): أن أحد اللفظين بدل عن الآخر، فلا يُستحبّ الجمع بين البدل والمبدل معاً، كما لا يستحبّ ذلك في المبدلات التي لها أبدال. والله تعالى أعلم. أفاده العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى وهو بحث نَفِيس، وتحقيق أَنِيس والله تعالى أعلم (١).


(١) "جلاء الأفهام" ص ٢٥٨ - ٢٦٢.