للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح" بعد ذكر معنى كلام ابن القيم رحمه الله المذكور: ما نصه:

والذي يظهر أن اللفظ إن كان بمعنى اللفظ الآخر سواءً، كما في "أزواجه"، و"أمهات المؤمنين" فالأولى الاقتصار في كل مرة على أحدهما، وإن كان اللفظ يستقلّ بزيادة معنى ليس في اللفظ الآخر البتة، فالأولى الإتيان به، ويحمل على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر. وإن كان يزيد على الآخر في المعنى شيئاً ما، فلا بأس بالإتيان به، احتياطاً.

وقالت طائفة، منهم الطبريّ: إن ذلك الاختلاف مباح، فأيّ لفظ ذكره المرء أجزأ، والأفضل أن يستعمل أكمله، وأبلغه، واستدلّ على ذلك باختلاف النقل عن الصحابة، فذكر ما نُقل عن عليّ -رضي الله عنه-، وهو حديث موقوف طويل، أخرجه سعيد بن منصور، والطبري، والطبراني، وابن فارس، وأوله: "اللَّهمّ داحي المدحُوّات" إلى أن قال: "اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحيتك على محمد عبدك، ورسولك … " الحديث.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- بلفظ: "اللَّهم اجعل صلواتك، وبركاتك، ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبين، محمد عبدك ورسولك … " الحديث. أخرجه ابن ماجه، والطبريّ (١). انتهى ما في "الفتح" (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذكره الحافظ رحمه الله تعالى من أولوية الإتيان باللفظ فيما إذا اختلف المعنى عندي محلُّ ذلك إذا كان من حديث صحابي واحد، وذلك كأن يختلف الرواة على حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه-، ونحوه.

وأما إذا كان الاختلاف في أكثر من صحابي واحد، فلا ينبغي الإتيان به، لأن ذلك يُحمل على اختلاف التعليم النبوي، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- علّم صيغ الصلاة عليه بألفاظ مختلفة، تسهيلاً على الأمة، كما اختلف تعليمه في صيغ التشهدات، وفي أحرف القرآن، كل ذلك للتوسيع والتسهيل، فلا ينبغي أن يُتجاوز تعليمه بالجمع المذكور.

وخلاصة الأمر في ذلك أن هذا الاختلاف في صيغ الصلوات على النبي -صلى الله عليه وسلم- من جنس الاختلاف في أحرف القرآن، فيكون من المباح الذي خُيّر فيه المصلي، فبأي صيغة من الصيغ الواردة الصحيحة صَلَّى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد أتى بما أمره الله تعالى به، فينبغي له أن يأتي بهذه الصيغة تارةً، وبهذه الصيغة تارة أخرى، حتى يستعمل كلَّ ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- منها، وأما الجمع بين تلك الصيغ، فهو خروج عن التعليم النبوي كُلِّها،


(١) ضعيف لاختلاط أحد رواته، وهو المسعوديّ.
(٢) "فتح" جـ ١٢ ص ٤٤٨.