للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأبي داود (على ذكرك) أي على إكثار ذكرك، والمداومة عليه.

قال الطيبي رحمه الله: هو قريب من معنى حديث ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- يعني الذي تقدّم في "باب فضل السجود" -١٦٩/ ١١٣٨ - حين سأله مرافقته -صلى الله عليه وسلم- في الجنّة، فقال: "أعنّي على نفسك بكثرة السجود" حيث علّق المحبة به بملازمة الذكر، والمرافقة بكثرة السجود.

والمراد من الإعانة على ذكره شرحُ الصدر، وتيسيرُ الأمر، وإطلاقُ اللسان، وإليه يلمح قول الكليم عليه الصلاة والسلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} إلى قوله: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: ٢٥ - ٣٤].

(وشكرك) أي وأعني على إدامة شكرك.

والمراد به توالي النعم الْمُستَجلِبة لتوالي الشكر، وإنما طلب الإعانة عليه لأنه عَسِرٌ جدا إلا لمن وفقه الله تعالى، ولذلك قال الله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] (وحسن عبادتك) أي وأعني على أن أُحْسِنَ عبادتك التي أمرتني بها.

والمراد التجردُ عما يَشْغَلُهُ عن الله تعالى، ويُلهيه عن ذكره، وعن عبادته، ليتفرّغ لمناجاته سبحانه وتعالى، كما أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "وجعلت قُرَّة عيني في الصلاة" (١)، وأخبر عن هذا المقام حينما فَسّر الإحسان بقوله: "أنا تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه، فإنه يراك" (٢).

زاد في "عمل اليوم والليلة": "وأَوصَى بذلك معاذ الصّنَابحيَّ، وأوصى به الصّنابحي أبا عبد الرحمن، وأوصى به أبو عبد الرحمن عُقْبة بن مسلم". وهو عند أحمد، وأبي داود أيضاً. وسيأتي الكلام عليه.

ووجه تخصيص الوصية بهذه الكلمات الثلاث كونها مشتملة على جميع خيرات الدنيا والآخرة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته:

حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه هذا صحيح.

المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:


(١) حديث صحيح أخرجه أحمد، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي من حديث أنس -رضي الله عنه- مرفوعاً، ولفظه: "حُبِّبَ إليّ من دنياكم: النساء، والطيب، وجُعِلَتْ قُرّةُ عيني في الصلاة".
(٢) متفق عليه.