للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومذهب مالك أنه يكره في الجمعة أن يتنفّل في مكانه من المسجد، ولا ينتقل منه، وإن كان مأموماً، وأما الإمام فيكره أن يصلي بعد الجمعة في المسجد بكلّ حال.

وقد قال الشافعي في "سنن حرملة": حديث السائب بن يزيد عن معاوية هذا ثابت عندنا، وبه نأخذ، قال: وهذا مثل قوله لمن صلى، وقد أقيمت الصلاة. "أصلاتان معًا؟ "، كأنه أحبّ أن يفصلها منها حتى تكون المكتوبات منفردات مع السلام بفصل بعد السلام.

وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اضطجع بعد ركعتي الفجر.

وروى الشافعي عن ابن عُيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يأمر إذا صلى المكتوبة، فأراد أن يتنفّل بعدها أن لا يتنفّل حتى يتكلّم، أو يتقدّم.

قال ابن عبد البرّ: هذا حديث صحيح، قال: وقال الشعبي: إذا صلّيت المكتوبة، ثم أردت أن تتطوّع فاخطُ خطوة، وخالف ابنُ عمر ابنَ عباس -رضي الله عنهم- في هذا، وقال: وأيّ فصل أفصل من السلام؟.

وقد ذكر الفقهاء من الحنابلة والشافعيّة أن هذا كلّه خلاف الأولى من غير كراهة فيه، وحديث معاوية -رضي الله عنه- يدلّ على الكراهة انتهى كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى ببعض تصرّف (١).

قال الجامع عفا الله عنه: كيف يدّعون عدمَ الكراهة، وقد صحّ حديث معاوية -رضي الله عنه- المتقدّم، ودلالته على الكراهة واضحة؟، كما أشار إليه ابن رجب رحمه الله، فليُتَنبّه. والله تعالى أعلم.

وكتب الحافظ رحمه الله على قول الإمام البخاري رحمه الله: "ويذكر عن أبي هريرة رفعه: "لا يتطوّع الإمام في مكانه" (٢) ولم يصحّ انتهى.

ما نصه: قوله: "ولم يصحّ" هو كلام البخاريّ، وذلك لضعف إسناده، واضطرابه، تفرّد به ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف (٣)، واختلف عليه فيه. وقد ذكر البخاري الاختلاف فيه في "تاريخه وقال: لم يثبت هذا الحديث.

وفي الباب عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً أيضاً بلفظ: "لا يصلي الإمام في الموضع


(١) "شرح صحيح البخاري" جـ ٧ ص ٤٣٠ - ٤٣٤.
(٢) ذكره بالمعنى، ولفظه عند أبي داود: "أيعجز أحكم أن يتقدم، أو يتأخر، أو عن يمينه، أو عن شماله في الصلاة". ولابن ماجه: "إذا صلى أحكم" زاد أبو داود -يعني "في السبحة". والبيهقيّ: إذا أراد أراد أحكم أن يتطوع بعد الفريضة فليتقدّم … " الحديث. قاله في "الفتح" جـ ٢ ص ٦٠٥.
(٣) بل متروك كما في "ت"، وفيه حجاج بن عبيد، وشيخه إبراهيم بن إسماعيل مجهولان.