والحديث يدلّ على مشروعيّة التسبيح والتكبير، والتحميد بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة، وتكريره عشر مرّات. وسيأتي ما يدلّ على أعداد مخالفة لهذا، ويأتي وجه الجمع بين الاختلاف في ذلك في الباب التالي إن شاء الله تعالى.
قال عبد الله بن عمرو (وأنا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعقدهنّ بيده) أي يضبطهن، ويحفظ عددهن بيده.
وفي رواية أبي داود من طريق محمد بن قُدامة، عن عَثّام، عن الأعمش، عن عطاء:"بيمينه"، وإسنادها صحيح.
وفيه استحباب عقد التسبيح باليد اليُمْنَى، وسيأتي للمصنف إن شاء الله تعالى:"باب عقد التسبيح" -٩٧/ ١٣٥٥.
ثم ذكر تفسير الخَلَّة الثانية، بقوله:
(وإذا أوى أحدكم إلى فراشه أو) قال (مضجعه) فـ"أو" للشك من بعض الرواة.
و"المضجع" بفتح الميم، والجيم، كمَقْعَدة موضع الضُّجوع، وهو وضع الجنب في الأرض (سبّح) وفي نسخة "يسبّح"(ثلاثًا وثلاثين وحمد) وفي نسخة "ويحمد"(ثلاثًا وثلاثين، وكبّر أربعًا وثلاثين، فهي مائة على اللسان، وألف في الميزان، قال) عبد الله (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فأيكم) اسم استفهام في محلّ الرفع مبتدأ، خبره جملة قوله (يعمل في كلّ يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيّئة؟) أي حتى تُساويَ هذه الحسنات، ولا يَبْقَى منها شيء، أي بل السيئآت في العادة أقلّ من هذا، فتغلب عليها الحسنات الحاصلة بهذا الذكر المبارك.
وهذا فيه استبعاد لوقوع السيّئآت الكثيرة من المسلم، فلا ينبغي له أن يتجاسر على السيّئآت الكثيرة، حتى تتجاوز هذه الحسنات، التي تكفر ما قابلته من السيّئآت، كما قال الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} الآية [هود: ١١٤]، بل يجتهد في البعد عنها، وإن وقعت منه، فليجتهد في تقليلها.
(قيل: يا رسول الله، وكيف لا نحصيهما؟) أي كيف لا نُحافظ عليهما، وقد أخبرتنا بفضلهما.
والمعنى: أنه لا مانع لدينا من المحافظة على هاتين الخلّتين. وفي نسخة:"لا يحصيهما" بالياء، وفي رواية أحمد:"قالوا: كيف من يعمل بهما قليل؟ "(فقال: إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته) أي في داخل صلاته قبل أن يسلّم منها، وإنما يأتيه قبل السلام ليسرع الخروج منها، ولا يجلسَ بعدها ولو قليلا (فيقول: اذكر كذا، اذكر