فقول السيوطي في شرحه: الظاهر أن استعماله هنا من الرواة المولدين الذين لا يُحسنون العربية. غير صحيح، كيف يمكن أن يُغَلّط الرواة الثقات الذين يُعتمد على حفظهم، مع أن أهل اللغة قد أثبتوا استعمال العرب الماضي منه، وقرأ به من قدمنا ذكره من القرّاء، وكذا أثبتوا له اسم الفاعل، وثبت في هذا الحديث استعمال المصدر له؟، إن هذا لشيء غريب!!.
وغاية ما يقال في مثل هذا: إن استعمال الماضي، والمصدر، واسم الفاعل منه قليل، لا يكثر كثرة استعمال المضارع والأمر منه.
قال السندي رحمه الله ردًّا على كلام السيوطي المذكور: ما نصه: لا يخفى على من تتبع كتب العربية أن قواعد العربية مبنية على الاستقراء الناقص، دون التامّ عادة، وهي مع ذلك أكثريّات، لا كليّات، فلا يناسب تغليط الرواة. والله تعالى أعلم انتهى وهو تَعَقُّبٌ جيّد. والله تعالى أعلم.
(أَوْ لَيَخْتَمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ) أي يطبع عليها، ويُغطّيها بالرَّيْن، كناية عن إعدام اللطف، وأسباب الخير، يعني ليمنعنهم لطفه وفضله. وقال القرطبي: الختم عبارة عما يخلقه الله تعالى في قلوبهم من الجهل والجفاء، والقسوة (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الصواب حمل الختم على ظاهره، وأنه سبحانه وتعالى يجعل على قلوبهم بسبب ذنوبهم شيئاً يمنع قلوبهم عن اتباع الحق، ووصول الخير إليه، لما أخرجه الترمذي في "جامعه" -٣٣٣٤ - ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" -٤١٨ - وفي "السنن الكبرى" جـ ٦ ص ٥٠٩ - ، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال:"إنّ العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكتت في قلبه نُكتة سوداء، فإذا هو نزع، واستغفر وتاب صُقل قلبُهُ، وإن عاد زيد فيها، حتى تَعلُو قلبه، وهو الرَّانُ الذي ذكره الله:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} "[المطففين: ١٤]. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي. والله تعالى أعلم.
قيل: ومن خُتم على قلبه بالرين قد يتيقظ للخير في بعض الأوقات، بخلاف الغافل عن مولاه، فلا يتفطن أصلًا، فلهذا ترقّى، فقال (وَلَيَكُونُنَّ) بضم النون الأولى، من الكَوْن، ولفظ أحمد:"ثم ليُكتَبُنّ" من الكتابة (منَ الْغَافلينَ) أي من جملة من استولت