للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩]، ولما ذكره بعض المفسرين من أن معاوية -رضي الله عنه- لمّا أراد أن يُجري العين على قبور الشهداء أمر بأن يُنادى من كان له قتيل، فليُخرجه من هذا الموضع، قال جابر، فخرجنا إليهم، فأخرجناهم، رطاب الأبدان، فأصابت المسحاة -الفأس- أصبع رجل منهم، فقطرت دمًا.

وفيه أن مثل هذا لا يثبت بالقياس، إذ فرق كبير بين الأنبياء وغيرهم، والآية ليست نصّا في أن الأرض لا تأكل أجساد الشهداء. وأكثر المحققين على أن حياة الشهداء بالروح والجسد بحالة لا ندركها في هذه الدار.

وقال بعضهم المراد بحياة الشهداء أن الله تعالى يجعل أرواحهم في حواصل طير خضْر في الجنة، لما أخرجه أبو داود في "كتاب الجهاد" من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لمّا أُصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في جوف طير خُضر، تَرد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم، قالوا: من يبلغ عنّا أنّا أحياء في الجنة، نرزق، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن العدوّ عند الحرب، فقال الله سبحانه وتعالى: أنا أبلغهم عنكم، قال: فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية.

وما ذكره جابر من أنهم أخرجوا أجساد الشهداء رطابًا، وأن أحدهم أصابته المسحاة، فقطر دمًا، فعلى فرض صحته لا يستلزم اطراد عدم أكل الأرض لجسد كل شهيد، بل لا يستلزم عدم أكلها لأجساد أولئك الشهداء أنفسهم على ممرّ المئات والآلاف من السنين.

وبالجملة فلم نقف على دليل صريح صحيح يفيد أن الأرض لا تأكل أجساد الشهداء انتهى كلام صاحب "المنهل" (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته:

حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه هذا صحيح، وسيأتي اختلاف العلماء فيه في المسألة التالية، إن شاء الله تعالى.


(١) "المنهل العذب المورود" جـ ٦ ص ١٨٧ - ١٨٨.