للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأحاديثُ الصحيحة في "الصحيحين" وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة قاضيةٌ بالوجوب، كحديث "غسلُ الجمعة واجب على كل محتلم"، وحديث "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل"، ونحوهما، كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في "الصحيحين" وغيرهما مرفوعًا: "حقّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام".

ولكنه ورد ما يدلّ على عدم الوجوب، وهو ما أخرجه أحمد، وأصحاب السنن، وابن ماجه (١) وابن خزيمة، من حديث الحسن البصريّ، عن سمرة مرفوعًا: "من توضأ يوم الجمعة فبها، ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

فإن دلالة الحديث على عدم الوجوب ظاهرة واضحة، وقد أُعلّ بما وقع من الخلاف في سماع الحسن من سمرة، ولكنه قد حسنه الترمذيّ.

ويُقوّي هذا الحديث أنه قد رُوي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وأنس، وأبي سعيد، وابن عباس، وجابر -رضي الله عنهم-، كما حكى ذلك الدارقطني.

قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وعائشة، وأنس.

وأخرجه البيهقي من حديث ابن عباس، وأنس، وأبي سعيد، وجابر.

ويقويه أيضًا ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "من توضأ يوم الجمعة، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت، غُفِرَ له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام".

فإن اقتصاره -صلى الله عليه وسلم- على الوضوء في هذا الحديث يدلّ على عدم وجوب الغسل، فوجب تأويل حديث "غسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم" بحمله على أن المراد بالوجوب تأكيد المشروعيّة، جَمعًا بين الأحاديث، وإن كان لفظ الوجوب لا يُصرَف عن معناه، إلا إذا ورد ما يدل على صرفه كما نحن بصدده، لكن الجمع مقدّم على الترجيح، ولو كان بوجه بعيد انتهى كلام الشوكاني رحمه الله تعالى (٢).

قال الجامع: هذا الذي حققه الشوكاني رحمه الله تعالى هو التحقيق الحقيق بالقبول، فإنه حسن جدًّا؛ لأن الجمع بين الأحاديث المختلفة مهما أمكن هو المتعيّن، ولاسيما إذا كان طريق الجمع واضحًا، كما نحن فيه.

والحاصل أن غسل يوم الجمعة مستحب استحبابًا أكيدًا بحيث يستحق تاركه التعنيف، والإنكار الشديد عليه، كما تقدم من قصة عمر، وعمار بن ياسر، وغيرهما.


(١) هكذا نسخة "السيل": بلفظ "وابن ماجه" بالعطف، ولعل الصواب "إلا ابن ماجه"، فإنه أخرجه من حديث جابر بن سمرة، لا من حديث سمرة بن جندب، فتأمل.
(٢) "السيل الجرار على حدائق الأزهار" جـ ١ ص ١١٦ - ١١٧.