للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الخامسة: في اختلاف أهل العلم في اشتراط اتصال الغسل بالذهاب إلى الجمعة، وعدمه:

ذهب الجمهور إلى أن ذلك مستحبّ، ولا يشترط اتصاله به، بل متى اغتسل بعد الفجر أجزأه.

ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن مجاهد، والحسن البصريّ، والنخعيّ، وعطاء ابن أبي رباح، وأبي جعفر الباقر، والحكم، والشعبيّ، وحكاه ابن المنذر عن الثوريّ، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وبه قال ابن وهب صاحب مالك (١).

وقال الأثرم: سمعت أحمد سُئل عمن أغتسل، ثم أحدث، هل يكفيه الضوء؟ فقال: نعم، ولم أسمع فيه أعلى من حديث ابن أبزى. يُشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، وله صحبة: "أنه كان يغتسل يوم الجمعة، ثم يُحدث، فيتوضأ، ولا يُعيد الغسل" (٢).

وذهب مالك إلى أنه يشترط أن يكون الغسل متصلًا بالذهاب إلى الجمعة.

وحكى ابن المنذر: عن الأوزاعي، أنه قال: يجزئه أن يغتسل قبل الفجر للجنابة والجمعة، وحكى ابن حزم عن الأوزاعيّ أنه قال كقول مالك: لا يُجزىء غسل الجمعة إلا متصلًا بالرواح، قال: إلا أن الأوزاعي قال: إن اغتسل قبل الفجر، ونهض إلى الجمعة أجزأه، وحكى إمام الحرمين في "النهاية" وجهًا أنه يُجزىء قبل الفجر، كغسل العيد، قال النووى: وهو شاذ منكر (٣).

وأحتُحّ لمالك بحديث الباب "إذا جاء أحدكم الجمعة، فليغتسل".

قال ولي الدين رحمه الله تعالى: وجواب الجمهور عن هذا الحديث أنه تبين برواية مسلم تعليق الأمر بالغسل على إرادة إتيان الجمعة، وليس يلزم أن يكون إتيان الجمعة متصلًا بإرادة ذلك، فقد يريد عقب الفجر إتيانها، ويتأخر الإتيان إلى ما بعد الزوال، ولا شك أن كلّ من تجب عليه الجمعة، وهو مواظب على الواجبات إذا خطر له عقب الفجر أمر الجمعة أراد إتيانها، وإن تأخر الإتيان زمنًا طويلًا، وذلك يدلّ على أنه ليس المدار على نفس الإتيان، بل على إرادته، ليحترز به عمن هو مسافر، أو معذور بغير ذلك من الأعذار القاطعة عن الجمعة والله أعلم انتهى (٤).


(١) "طرح التثريب" ٣/ ١٦٧ - ١٦٨.
(٢) "فتح" ٣/ ٩.
(٣) "طرح" ٣/ ١٦.
(٤) "طرح" ٣/ ١٠.