للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": ومقتضى النظر أن يقال: إذا عُرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذي بالرائحة الكريهة، فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يُزيل تنظيفه، اسُتحب له أن يؤخّر الغسل لوقت ذهابه، ولعلّ هذا هو الذي لحظه مالك، فشرط اتصال الذهاب بالغسل، ليحصل الأمن مما يُغاير التنظيف. والله تعالى أعلم.

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: ولقد أبعد الظاهري إبعادًا يكاد أن يكون مجزومًا ببطلانه، حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلاة الجمعة، حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده، تعلقًا بإضافة الغسل إلى اليوم -يعني قوله: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم"- وقد تبيّن من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة.

قال: وفُهم منه أن المقصود عدم تأذي الحاضرين، وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة.

وكذلك أقول لو قدمه بحيث لا يتحصّل هذا المقصود لم يُعتدّ به.

والمعنى إذا كان معلومًا كالنصق قطعًا، أو ظنًّا مقارنًا للقطع، فاتباعه، وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ.

وقد حكى ابن عبد البرّ الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة، ولا فَعَل ما أمر به.

وادعى ابن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين، وأطال في تقرير ذلك بما هو بصدد الممنع، والرّدُّ يفضي إلى التطويل بما لا طائل تحته، ولم يورد عن أحد ممن ذُكر التصريحَ بإجزاء الاغتسال بعد صلاة الجمعة، وإنما أورد عنهم ما يدلّ على أنه لا يُشترط اتصال الغسل بالذهاب إلى الجمعة، فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال، أو بعده، والفرق بينهما ظاهر كالشمس. والله تعالى أعلم انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تحرر مما ذكر أن ما ذهب إليه الجمهور من جواز الاغتسال بعد الفجر، وأن اتصاله بالذهاب غير لازم، وأنه لا يجزىء بعد صلاة الجمعة هو المذهب الحقّ، لوضوح أدلته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة السادسة: في اختلاف أهل العلم في اغتسال من لا تجب عليه الجمعة، كالمسافر، والنساء، والصبيان:


(١) جـ ٣ ص ٩ - ١٠.