للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن المنذر رحمه الله: اختلف أهل العلم في اغتسال المسافر يوم الجمعة، فقالت طائفة: ليس على المسافر يوم الجمعة غسل، هكذا قال عطاء، وكان ابن عمر وعلقمة لا يغتسلان في السفر يوم الجمعة.

وقالت طائفة: يغتسل، وإن كان مسافرًا، روينا عن طلحة بن عُبيد الله أنه أغتسل في السفر يوم الجمعة، وروى عن طاوس، ومجاهد، أنهما كانا يفعلان ذلك، وكان أبو ثور يقول: ولا يجب (١) ترك الغسل يوم الجمعة في سفر، ولا حضر.

قال ابن المنذر رحمه الله: ليس على المسافر الاغتسال يوم الجمعة؛ لأن المأمور بالاغتسال من أتى الجمعة، وليس ذلك على من لا يأتيها.

وقال أيضًا: واختلفوا في اغتسال النساء، والصبيان، والعبيد إذا حضروا الصلاة، فكان مالك يقول: من حضر الجمعة من النساء والعبيد، فليغتسل، وقال الشافعي في النساء والعبيد، والمسافرين، وغير المحتلمين إن شهدوا الجمعة أجزأتهم، وليغتسلوا، كما يفعل بهم إذا شهدوها (٢).

وقالت طائفة: إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة.

قال ابن المنذر: ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من جاء منكم الجمعة، فليغتسل" يدلّ على أن الأمر بالاغتسال لمن أتى الجمعة، فلا معنى لاغتسال من لا يأتي الجمعة من المسافرين، وسائر من رُخّص له في التخلف عن إتيان الجمعة.

وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم"، فظاهر هذا الحديث يوجب الاغتسال لليوم أتى، أو لم يأتها، وقول من أمر المسافر بالاغتسال يوم الجمعة يوافق ظاهر هذا الحديث انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قول من قال: إن الغسل لمن أراد الإتيان إلى الجمعة هو الراجح عندي؛ لأن إطلاق حديث "غسل الجمعة واجب على كل محتلم"، مقيد بمفهوم حديث "من جاء منكم الجمعة فليغتسل". وقد جاء مصرحًا به فيما رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي في "سننه" من طريق عثمان بن واقد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل، من الرجال والنساء". قال ولي الدين رحمه الله: وإسناده صحيح.


(١) هكذا نسخة "الأوسط" "ولا يجب"، ولعل الصواب "ولا يجوز".
(٢) قوله: "كما يفعل بهم إلخ" هكذا في "الأوسط" وفيه ركاكة، فليتأمل.
(٣) "الأوسط" ٤/ ٤٧ - ٤٨.