واسم الإشارة نائب فاعله (لرَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-) متعلق بـ"ذكر". أي ذَكَر الناسُ الذين تأذوا بتلك الأرواح للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما حصل لهم من الضرر، ليأمرهم بالنظافة، وتَعَهُّدِ أجسامهم وثيابهم.
(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (أَوَ لَا تَغْتَسلُونَ) بتاء الخطاب، وفي النسخة "الهندية": "أو لا يغتسلون" بالياء. والهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي، والواو عاطفة، وجملة "لا تغتسلون" معطوفة على محذوف، أي أتحضرون الجمعة، ولا تغتسلون.
وحاصل المعنى أنهم كانوا يَعرَقون لمشيهم من مكان بعيد في شدة الحر، وتقدم أنهم كانوا يلبسون الصوف، فإذا اجتمع العرق مع وسخ لباس الصوف يثير رائحة كريهةً، فإذا حملها الريح إلى الناس، تأذوا بها، فأنكر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وحثهم على الاغتسال، حتى لا يحصل هذا الضرر.
والحديث استدلّ به المصنف رحمه الله تعالى على الترخيص في ترك غسل الجمعة، ووجه استدلاله به أنه يدل على أن الغسل كان لسبب، فلما زال ذلك السبب، زال الوجوب معه، وفي هذا الاستدلال نظرٌ لا يخفى، إذ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أو لا تغتسلون" يفيد الإنكار التوبيخي، وهو يدلّ على الأمر بالاغتسال، لا على تركه، وأيضًا فإن زوال سبب التشريع لا يدلّ على زوال الحكم، كالرَّمَل مثلًا، كان لإغاظة المشركين -كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى من "كتاب الحج"- وقد زال ذلك السبب، ولم يزل ذلك الحكم، بل صار شرعًا مستمرًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث عائشة -رضي الله عنها- هذا صحيح، وهو بهذا السياق من أفراد المصنف رحمه الله تعالى، أخرجه هنا -٩/ ١٣٧٩ - وفي "الكبرى" -٨/ ١٦٨٣ - بالسند المذكور. وقد تقدم بسياق آخر عند الشيخين، وغيرهما. والله تعالى أعلم.
المسألة الثانية: في فوائده:
منها: ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو الترخيص في ترك الغسل يوم الجمعة؛ لأن مشروعيته كان للسبب المذكور في الحديث، فلما وسع الله عليهم، وزال السبب رُخص لهم في تركه، هذا هو والظاهر من إيراد المصنف -رحمه الله- له هنا، وقد عرفت ما فيه.
ومنها: ما كان عليه الناس في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ضيق المعيشة، والصبر عليه.