ابن عمر -رضي الله عنهما- صفة تلك الصحف، بأنها صحف من نور، وأقلام من نور.
والمراد من طيّ الصحف طيّ صحف الفضائل المتعلّقة بالمبادرة إلى الجمعة، دون غيرها من سماع الخطبة، وإدراك الصلاة، والذكر، والدعاء، والخشوع، ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعًا. ووقع في آخر الحديث عند ابن ماجه:"فمن جاء بعد ذلك، فإنما يجيء لحق الصلاة"، يعني فله أجر الصلاة، وليس له شيء من الزيادة في الأجر.
فإن قلت؟ وقع في رواية الشيخين:"فإذا جلس الإِمام، طووا الصحف … " فكيف التوفيق بين الروايتين؟
أجيب: بأنهم بخروج الإِمام يحضرون إلى المنبر من غير طيّ، فإذا جلس الإِمام على المنبر طووا الصحف، أو يقال: ابتداء طيهم الصحف عند ابتداء خروج الإِمام، وانتهاؤه بجلوسه على المنبر، وهو أول سماعهم الذكر. والله تعالى أعلم.
وفي الرواية التالية:"فإذا خرج الإِمام طُويت الصحفُ، واستمعوا الخطبة".
(قَالَ) أي أبو هريرة -رضي الله عنه- (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ) -بضم الميم، وتشديد الجيم- اسم فاعل، من التهجير، قيل: والمراد به والمبادرة إلى الجمعة بعد الصبح، وقيل: المراد الذي يأتي في الهاجرة، أي عند شدّة الحرّ، قُربَ نصف النهار، فيكون دليلًا للمالكية في قولهم: إن الساعات من حين الزوال، وإن الذهاب إلى الجمعة بعد الزوال، لا قبله؛ لأن التهجير هو السير في الهاجرة. أي نصف النهار.
قال الحافظ: وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير، كما تقدّم نقله عن الخليل في "المواقيت".
وقال القرطبيّ: الحقّ أن التهجير هنا من الهاجرة، وهو السير في وقت الحَرّ، وهو صالح لما قبل الزوال وبعده، فلا حُجّة فيه لمالك.
وقال التوربشتيّ: مَنْ ذهب في معناه إلى التبكير، فإنه أصاب، وسلك طريقًا حسنًا من طريق الاتساع، وذلك أنه جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار، ويأخذ الحرّ في الازدياد من الهاجرة، تغليبًا، بخلاف ما بعد الزوال، فإن الحرّ يأخذ في الانحطاط، وهذا كما يُسمّى النصف الأول من النهار غَدْوةً، والآخر عَشيّةً.
وقال ابن منظور بعد أن أورد حديث الباب، وحديث "لو يَعلمُ الناسُ ما في التهجير لاستبقوا إليه": ما نصه: قال الأزهريّ: يذهب كثير من الناس إلى أن التهجير في هذه الأحاديث من الْمُهاجَرَة وقتَ الزوال، قال: وهو غلَطٌ، والصواب فيه ما روى أبو داود المصاحفي، عن النضر بن شُمَيل، أنه قال: التهجير إلى الجمعة وغيرها التبكير والمبادرة إلى كلّ شيء، قال: وسمعت الخليل يقول ذلك، قاله في تفسير هذا