للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث. قال الأزهري: وهذا صحيح، وهي لغة أهل الحجاز، ومن جاورهم من قيس، قال لبيد:

رَاحَ الْقَطِينُ بَهجْرٍ بَعْدَمَا ابْتَكَرُوا

فقرن الْهَجْر بالابتكار. والرواح عندهم: الذهاب والمضيّ، يقال راح القوم: أي خَفُّوا، ومَرُّوا، أيّ وقت كان، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو يَعلمُ الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه"، أراد التبكير إلى الصلوات، وهو المضيّ إليها في أول أوقاتها. قال الأزهري: وسائر العرب يقولون: هَجَّرَ الرجلُ: إذا خرج بالهاجرة، وهي نصف النهار، ويقال: أتيته بالْهَجِير، وبالهَجْر.

وأنشد الأزهري عن ابن الأعرابي في "نوادره"، قول الشاعر:

يَهُجِّرُونَ بِهَجِيرِ الْفَجْرِ

قال الأزهري: أي يبكّرون بوقت الفجر انتهى ما ذكره ابن منظور باختصار (١).

(كَالْمُهْدي) اسم فاعل من أهدى، يقال: أهديت للرجل كذا بالألف: بَعَثْتُ به إليه إكرامًا، فهو هديّة بالتثقيل، لا غير، وأهديت الهَدْيَ إلى الحرم: سُقْتُهُ (٢) والجارّ والمجرور خبر "المهجّرُ" (بَدَنَةَ) بفتحتين، جمعها بَدَنات، مثل قصبة وقَصَبَات، وبُدُن أيضًا بضمتين، وتسكن داله تخفيفًا، وسيأتي قريبًا تحقيق معناها.

أي كالمتصدّق بها متقرّبًا إلى الله تعالى، وقيل: المراد أن للمبادر في أول ساعة نظيرُ ما لصاحب البدنة من الثواب، ممن شُرع له القربانُ؛ لأن القربان لم يُشرَع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السالفة.

وفي رواية ابن جُريج: "فله من الأجر مثل الجزور"، وظاهره أن المراد أن الثواب لو تجسّد لكان قدر الجزور (٣).

وقيل: ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة، وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلًا، ويدل عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزّاق: "كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة".

قال الطيبيّ: في لفظ الإهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة، وأن المبادر إليها كمن


(١) "لسان العرب" ٦/ ٤٦١٩.
(٢) "المصباحُ" جـ ٢ ص ٦٣٦.
(٣) اعترض بعض المحققين على هذا المعنى، فقال: ليس بشيء، والصواب أن معنى رواية ابن جريج موافق لمعنى بقية الروايات، وأن المراد بذلك بيان فضل المبادرة إلى الجمعة، وأنه بمنزلة من قرّب بدنة إلخ انتهى. من هامش "الفتح" جـ ٣ ص ٢٠ وهو تحقيق نفيس. والله أعلم.