بذلك في حديث جابر الآتى بعد هذا: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة … " الحديث، فهو وإن كان في معرض ساعة الإجابة، لكنه يستآنس به في التبكير أيضًا، والله تعالى أعلم.
قال ولي الدين رحمه الله: ومما يردّ على المالكية في ذلك أنّا إذا خرجنا عن الساعة الزمانية لم يبقَ لنا مرَدّ ينقسم فيه الحال إلى خمس مراتب، بل قد يكون مقتضاه الفضل بحسب تفاوت السبق، ويأتي من هذا مراتب كثيرة جدًّا. ذكره الشيخ تقيّ الدين في "شرح العمدة" بمعناه، ثم قال:
فإن قلت: يُجعل الوقت من التهجير مقسمًا على خمسة أجزاء، ويكون ذلك مُرادًا.
قلت: يُشكل ذلك لوجهين:
أحدهما: أن الرجوع إلى ما تقرّر من تقسيم الساعات إلى اثني عشر أولى.
الثاني: أن القائلين بأن التهجير أفضل، لا يقولون بذلك على هذه القسمة، فإن القائل قائلان، قائل يقول بترتيب منازل السابقين على غير بتقسيم الأجزاء الخمسة، وقائل يقول بتقسيم الأجزاء ستة إلى الزوال، فالقول بتقسم هذا قالوقت إلى خمس إلى الزوال مخالف للكلّ، وإن كان قد قال به قائل، فليكتف بالوجه الأول انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الثانية: في اختلاف أهل العلم في وقت صلاة الجمعة:
(اعلم): أنه قد اختلف العلماء في وقت صلاة الجمعة، فذهب الجمهور، إلى أن وقتها بعد الزوال، فلا تصحّ قبله.
وذهب الإِمام أحمد، وطائفة من السلف إلى أنها تجوز قبل الزوال.
قال الإِمام البخاري رحمه الله: "بابٌ وقتُ الجمعة إذا زالت الشمس"، وكذلك يُروى عن عمر، وعلي، والنعمان بن بشير، وعمرو بن حُريث.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وهو قول أكثر الفقهاء، منهم الحسن، والنخعي، والثوري، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي.
وذهب كثير من العلماء إلى أنه يجوز إقامتها قبل الزوال.
قال: وحكى الماوردي في كتابه "الحاوي" عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال، وهو مذهب أحمد، وإسحاق، نقله عنهما ابن منصور، وهو
(١) "طرح التثريب" جـ ٣ ص ١٧٣ - ١٧٤.