للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحكم يخطب الناس قاعداً، مخالفاً للسنة.

(فَقَالَ) أي كعب منكراً عليه (انظُرُوا إلى هَذَا) وفي رواية مسلم: "انظروا إلى هذا الخبيث"، وهذا من غاية غضب هذا الصحابي الجليل على مخالفة سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يَخْطُبُ قَاعداً) مع كونه السنة أن يخطب قائماً. وفي رواية ابن خزيمة (١): "ما رأيت كاليوم قطّ إماماً يؤم المسلمين يخطب، وهو جالس، يقول ذلك مرتين".

(وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ) جملة في محل نصب على الحال من فاعل "يخطب"، والرابط الواو (وَإذَا رَأَوْا) أي أبصروا، أو عرفوا (تجَارَةً) أي بيعاً وشراءاً (أَوْ لَهْواً) قيل: المراد الطبل الذي كان يُضرب عند قدوم التُّجَّار (انْفَضُّوا) أي تفرّقوا (إليها) أي إلى تلك التجارة، وما ذكر معها، فيكون من باب الاكتفاء، ومراعاة أقرب المذكورَين، أو اختصّت بالذكر, لأنها المقصود الأعظم من الأمرين، فإن الطبل كان لإعلام مجيء أسباب التجارة (وَتَرَكُوكَ قَائماً) أي حال كونك قائماً على المنبر، تخطب الناس.

وقال الطيبي رحمه الله: قوله: "وقد قال الله" حال مقَرِّرة لجهة الإنكار, أي كيف يخطب قاعداً، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً، بدليل قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}، وذلك أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء، فقدم تجارة من زيت الشام, والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة، فتركوه قائماً، وما بقي معه إلا نفر يسير انتهى.

وقال النووي رحمه الله: هذا الكلام يتضمن إنكار المنكر، والإنكار على ولاة الأمور، إذا خالفوا السنة.

ووجه استدلاله بالآية أن الله أخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان يخطب قائماً، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١]، مع قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} , وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: ٧]، مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي" انتهى (٢).

وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه الشيخان من حديث جابر رضي الله تعالى عنه، قال: بينما نحن نصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبلت عير، تحمل طعاماً، فالتفتوا إليها، حتى ما بقي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا اثنا عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}.

وفي رواية لمسلم: "إلا اثنا عشر رجلاً، فيهم أبو بكر، وعمر"، وفي رواية أخرى: "أنا فيهم".


(١) هكذا عزاه في "الفتح" جـ ٣ ص ٦٤ إلى ابن خزيمة، ولم أره في "صحيحه"، فالله أعلم.
(٢) "شرح صحيح مسلم" جـ ٦ ص ١٥٢.