وأما القائلون بنجاسته فاحتجوا بحديث الغسل، وقالوا: يطهره الفرك، ولو كان طاهرًا لم تحتج عائشة - رضي الله عنها - إلى تطهيره بالفرك وبالغسل، والظاهر أن فعلها لم يكن إلَّا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو اطلاعه، وأيضًا لو كان طاهرًا لتركه على حاله مرة لبيان الجواز، فلما لم يتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثوبه مرة، وكذلك الصحابة من بعده علم أنه نجس, ومواظبته - صلى الله عليه وسلم - على فعل شيء من غير ترك في الجملة يدل على الوجوب بلا نزاع فيه.
وقال الطحاوي (١): إنما جاءت أحاديث الفرك في ثياب ينام فيها، ولم تأت في ثياب يصلي فيها، وقد رأينا الثياب النجسة بالغائط والبول والدم، لا بأس بالنوم فيها, ولا تجوز الصلاة فيها، وقد يجوز أن يكون المني كذلك، فغسل الثوب محمول على إرادة الخروج إلى الصلاة، كما يدل عليه رواية عائشة - رضي الله عنها -: "كنت أغسل المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه"، فهكذا كانت عائشة تفعل بثوب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يصلي فيه تغسل المني منه، وتفركه من ثوبه الذي كان لا يصلي فيه، انتهى.
ويؤيده حديث أم حبيبة -رضي الله عنها - لما سئلت هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الثوب الذي يضاجعك فيه؟ قالت: نعم إذا لم يصبه أذى.
ويؤيده ما أخرجه أبو داود فيما تقدم في الغسل من الجنابة من حديث عائشة ولفظه:"ثم غسل مرافغه وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط".