عن بلال أنه كان يجعل الأذان والإقامة مثنى مثنى، وفي إسناده ضعف، قال الحافظ: وحديث أبي محذورة في تثنية الإقامة مشهور عند النسائي (١) وغيره، وحديث أبي محذورة حديث صحيح ساقه الحازمي في "الناسخ والمنسوخ"، وذكر فيه الإقامة مرتين مرتين، وقال: هذا حديث حسن على شرط أبي داود والترمذي والنسائي، وسيأتي ما أخرجه عنه الخمسة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة، وهو حديث صححه الترمذي وغيره، وهو متأخر عن حديث بلال الذي فيه الأمر بإيتار الإقامة, لأنه بعد فتح مكة، لأن أبا محذورة من مسلمة الفتح، وبلالًا أُمِرَ بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان، فيكون ناسخًا.
وقد روى أبو الشيخ أن بلالًا أذّن بمنى ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثَمَّ مرتين مرتين، وأقام مثل ذلك.
إذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج بها لما أسلفناه، وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في "الصحيحين" لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة، فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها كما عرفناك.
وقد أجاب القائلون بإفراد الإقامة عن حديث أبي محذورة بأجوبة: منها: أن من شرط الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوم قاعدة، وهذا ممنوع، فإن المعتبر في الناسخ مجرد الصحة لا الأصحية.
ومنها: أن جماعة من الأئمة ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، وهذا الوجه غير نافع, لأن القائلين بأنها غير محفوظة غاية ما اعتذروا به عدم الحفظ وقد حفظ غيرهم من الأئمة كما تقدم، ومن علم حجة على من لا يعلم.