للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وتعقبه ابن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد وبأن سياق طرق الحديث يأباه، وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال: وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله: "وإذا سجد فاسجدوا"، فلما عدل عن ذلك إلى قوله: "وإذا صلَّى جالسًا" كان كقوله: وإذا صلَّى قائمًا، فالمراد بذلك جميع الصلاة، ويؤيد ذلك قول أنس: "فصلينا وراءه قعودًا".

ونقل في "مشكاة المصابيح": وقال الحميدي: قوله: "إذا صلَّى جالسًا" أي بعذر "فصلوا جلوسًا هو في مرضه القديم" حين آلى من نسائه، "ثم صلَّى بعد ذلك" أي ذلك المرض "النبي - صلى الله عليه وسلم -" أي قبل موته بيوم، "جالسًا والناس خلفه قيام"، قال الطيبي (١): عند أحمد وإسحاق أن الإِمام إذا صلَّى جالسًا أي بعذر وافقه المأموم، وعند مالك: لا يجوز أن يؤم الناس قاعداً، ودليل مالك ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤم أحد بعدي جالسًا"، وهو مرسل ومحمول على التنزيه. "لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ"، أي يعمل "بالآخر فالآخر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -".

وعندنا معشر الحنفية: يجوز اقتداء القائم الذي يركع ويسجد بالقاعد الذي يركع ويسجد استحسانًا، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، والقياس أن لا يجوز وهو قول محمد، وعلى هذا الاختلاف اقتداء القائم المومئ بالقاعد المومئ.

وجه القياس ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يؤمن أحد بعدي جالسًا" أي لقائم، لإجماعنا على أن الجالس لو أم الجالس لجاز.

وجه الاستحسان ما روي أن آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد متوشحًا به قاعدًا وأصحابه خلفه قيام يقتدون به، فقد ثبت الجواز على وجه لا يتوهم ورود النسخ عليه.


(١) "مرقاة المفاتيح" (٣/ ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>