يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد، فأما الحمادان فقالا:"رأس"، وأما يونس فقال:"صورة"، وأما الربيع فقال:"وجه"، والظاهر أنه من تصرف الرواة، قال عياض: هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه، قلت: لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضًا، وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة، وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية، وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإِمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم (١) وتجزئ صلاته، وعن ابن عمر تبطل، وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد.
واختلف في معنى الوعيد المذكور، فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي، فإن الحمار موصوف بالبلادة، فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من متابعة الإِمام، وقال ابن بزيزة: يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معًا.
وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك، والدليل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة حديث أبي مالك الأشعري، فإن فيه:"ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة"، ويقوي حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد "أن يحول الله رأسه رأس كلب"، فهذا يبعد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار.
ومما يبعده أيضًا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلًا: فرأسه رأس حمار، وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك
(١) في العمد، وأما على ظن أن الإِمام قام فلا، وأيًّا ما كان فيجب العود إلى المتابعة، "ابن رسلان". (ش).