(فظننت أنها) أي براءة (منها) أي من الأنفال، (فمن هناك) أي فمن أجل ذلك لما ذكر من وجوه ما ظهر لنا من المناسبة بينهما قرنت بينهما و (وضعتهما في السبع الطوال، ولم أكتب بينهما سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أي لعدم العلم بأنها سورة مستقلة, لأن البسملة كانت تنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - للفصل، ولم تنزل فلم أكتب.
وهذا لا ينافي ما ذكر عن علي من الحكمة في عدم نزول البسملة، وهو أن ابن عباس سأل عليًّا لِمَ لم تكتب؟ قال: لأن بسم الله أمان، وليس فيها أمان، أنزلت بالسيف، وكانت العرب تكتبها أول مراسلاتهم في الصلح والأمان والهدنة، فإذا نبذوا العهد ونقضوا الأيمان لم يكتبوها، ونزل القرآن على هذا الاصطلاح، فصارت علامة الأمان، وعدمها علامة نقضه، فهذا معنى قوله: أمان، وقولهم: آية رحمة، وعدمها عذاب، كذا ذكره الجعبري، انتهى.
قلت: فإن قيل: ما وقع في كتابة الصلح بالحديبية من أن سهيل بن عمرو أنكر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابة البسملة، وقال: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو؟ ولكن اكتب باسمك اللهم، يخالف هذا الكلام الذي روي عن ابن عباس عن علي، فإن ما وقع في الحديبية يدل على أنهم لا يعرفون البسملة، وهذا يدل على أنها كانت معروفة بينهم في الصلح والهدنة.
قلت: ويمكن أن يجاب عنه بأن البسملة شاملة لـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} و"باسمك اللَّهم"، وإنكار سهيل مختص بلفظ الرحمن فقط.
قال الطيبي: دل هذا الكلام على أنهما نزلتا منزلة سورة واحدة، وكمل السبع الطوال بها، ثم قيل: السبع الطوال هي البقرة وبراءة وما بينهما،