للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أنكر على الخطيب كان هناك من يتوهم منه التسوية بين المقامين بجمعه الاسمين بضمير واحد، وحيث لم يكن من يلتبس عليه أتي بضمير الجمع.

الثالث: أن منعه لم يكن بتحتم بدليل الأحاديث الآخر، بل على وجه ندب وإرشاد إلى الأولوية, لأن بإفراد اسمه تعالى من التعظيم ما يليق بجلاله.

الرابع: أن إنكاره خاص بالخطيب المذكور، ومن على مذهبه، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - فهم من حاله أنه لم يجمع بينهما إلَّا لظنه التسوية بينهما في المقام، ولعل هذا الجواب هو الأقوى، كذا في "الدرجات" (١).

قلت: وهذه الوجوه كلها مرجعها إلى أن الإنكار على الخطيب لأجل الجمع بين الله ورسوله في الضمير، وهذه الوجوه كلها كما ترى مدخولة، واختار الإِمام الطحاوي في "مشكل الآثار" (٢) طريقًا بديعًا فقال: باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على أنه لا ينبغي للرجل في كلامه أن يقطعه إلَّا على ما يحسن قطعه عليه ولا يحول به معناه عما تكلم به من أجله، ثم ساق حديث تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم، قال: جاء رجلان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشهد أحدهما فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "بئس الخطيب أنت، قم". قال: فكان المعنى عندنا- والله أعلم- أن ذلك يرجع إلى معنى التقديم والتأخير فيقول: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ثم يبتدأ بقوله: "ومن يعصهما فقد غوى" وإلَّا عاد وجهه إلى التقديم والتأخير الذي ذكرنا، كمثل ما عاد إليه معنى قوله عزَّ وجَلَّ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ


(١) "درجات مرقاة الصعود" (ص ٧١ - ٧٢).
(٢) "مشكل الآثار" (٨/ ٣٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>