ولكن صارت الحقيقة مهجورة فيهما، فلهذا لا يشمل صلاة الليل في إطلاق الشرع عليهما (١)، ولا يطلق إلا على صلاة التهجد والوتر، فإطلاق لفظ صلاة الليل عليه حقيقة قاصرة.
ثم اختلفت الروايات في صلاة الليل، أما التهجد فوقع الاختلاف فيها في أدائها فقط، وأما حكمها فمتفق عليه أنها ليس بواجب على الأمة، وأما الوتر فوقع الاختلاف في حكمها وفي أدائها، وسيأتي بحثه في أبواب الوتر.
أما الاختلاف الواقع في صلاة التهجد في أدائها فليس هو باختلاف في الواقع، بل وقع الاختلاف فيها في أدائها بحسب اختلاف الأوقات في الأداء، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاها دائمًا، فمرة صلاها على كيفية خاصة، وفي أخرى على كيفية أخرى، فلهذا وقع الاختلاف فيها خصوصًا في الروايات التي روت عائشة - رضي الله عنها -، فإنها كثيرة الاختلاف بحيث يصعب الجمع بينها، ولهذا حكم بعضهم بالاضطراب فيها، وحاشا من ذلك كما ستعرف إن شاء الله تعالى، فأكثر الروايات عنها تدل على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي صلاة الليل إحدى عشرة ركعة، وفي بعضها: كان يصلي بعد الوتر ركعتين قاعدًا.
ولما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاهما في بعض الأحيان لبيان الجواز، وليعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" ليس للوجوب، ذكرتهما مرة وتركتهما أخرى.
وأما الروايات التي تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ففي بعضها هذا العدد يتم بالركعتين اللتين كان يصليهما قاعدًا، وفي بعضها يتم بما كان يصلي من ركعتي سنَّة الفجر لقربها من صلاة الليل.
وأما الاختلاف الواقع في أدائها ففي بعضها: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إحدى