إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا.
فالاختلافات الواقعة في هذه الأحاديث المذكورة أكثرها محمولة على اختلاف الأحوال والأوقات، ولكن الذي وقع فيها أنه كان يوتر منها بخمس لا يجلس في شيء من الخمس حتى يجلس في الآخرة، وكذا ما وقع في الأخرى:"كان يوتر بثمان ركعات لا يجلس إلا في الثامنة"، الحديث، ففيها إشكال صعب على رأي الحنفية فإنهم قالوا بوجوب القعود والتشهد بعد كل من الركعتين في الفرض والنفل جميعًا، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأن تشهد في كل ركعتين" وهو مجمع عليه عندهم.
فالجواب عنه ما قال القاري (١): وقد يقال: المعنى لا يجلس في شيء للسلام بخلاف ما قبله من الركعات، وفيه نظر, لأن الحنفية قائلون بأن الوتر ثلاث لا تجوز الزيادة عليها، فإذا صلَّى خمس ركعات، فإن نوى الوتر في أول التحريمة لا يجوز ذلك, لأن الزيادة على الثلاث ممنوعة، وإن نوى النفل في أول التحريمة لا يؤدي الوتر بنية النفل.
وإن قيل: إنها كانت في ابتداء الإِسلام، ثم أستقر الأمر على أن الوتر ثلاث ركعات فينافيه ما سيأتي من حديث زرارة بن أوفى عند أبي داود:"فلم تزل تلك صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدن، فنقص من التسع [ثنتين] فجعلها إلى الست والسبع وركعتيه وهو قاعد حتى قبض على ذلك".
فالأولى في التوجيه على مذهب الحنفية أن يقال: لا يجلس في شيء من الخمس جلسة الفراغ والاستراحة حتى يجلس تلك الجلسة في الآخرة، أي بعد الركعة الآخرة، أو يقال: لا يجلس، أي لا يصلي جالسًا في شيء من الخمس حتى يجلس، أي يصلي في الأخيرة جالسًا، والله أعلم.