ثم الأربعة الثانية مستوية أيضًا في الطول والحسن وإن لم تبلغ في الطول قدر الأولى، كما قال في الآخر "صلَّى ركعتين طويلتين ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما". وقيل إنما خص الأربع بالذكر, لأنه كان ينام قبل (١) كل أربعة نومة، وفي حديث أم سلمة: كان يصلي ثم ينام قدر ما صلَّى، ثم يصلي قدر ما نام، هذا معنى ذكر الأربع لا أنه لم يكن يفصل بينهما بسلام.
(قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أتنام قبل أن توتر؟ فقال) رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عائشة، إن عيني تنامان ولا ينام قلبي).
قال في "الإكمال" عن القاضي عياض: لما رأته أنه ينام قبل أن يوتر، وعهدت من أبيها العكس على ما علم، وكانت صغيرة ليس عندها كبير علم، ظنت أن فعل أبيها لا يجوز غيره سألت فأجابها بذلك. قلت: والمعنى أن السبب في تقديم الوتر إنما هو خوف غلبة النوم وهو في ذلك بخلاف الناس، لأنه - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه، انتهى.
قلت: ما قال القاضي عياض في توجيه قول عائشة بعيد جدًا، فإنه لم يثبت أن عائشة - رضي الله عنها - سألته حين زفت إليه بل كانت عالمة فقيهة لا يقبل العقل السليم منها أنها تظن لما رأت من أبيها أنه لا ينام قبل الوتر، ورأت فعله - صلى الله عليه وسلم - أنه ينام قبله، فتحمل فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عدم الجواز، وأيضًا لا يطابقه الجواب، فإن جوابه بأن كليهما أي النوم قبل الوتر وعدم النوم قبله جائز إن كان كافيًا لا يحتاج إلى بيان أن عينه تنام ولا ينام قلبه.
وما وجهه صاحب "الإكمال" أن السبب في تقديم الوتر إنما هو خوف غلبة النوم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بخلاف الناس، فإن عينه تنام ولا ينام قلبه،