للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْمُقِلِّ قِيلَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ

===

(المقل) أي ما يتحمله قليل المال من التصدق ويبذل جهده فيه، والجمع بينه وبين قوله: "أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى"، أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين، وقيل: المراد بالمقل الغني القلب ليوافق قوله: "أفضل الصدقة ... إلخ وقال ابن الملك: أي أفضل الصدقة ما قدر عليه الفقير الصابر على الجوع أن يعطيه، والمراد بالغنى في قوله: "أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى" من لا يصبر على الجوع والشدة توفيقًا بينهما، فمن يصبر فالإعطاء في حقه أفضل، ومن لا يصبر فالأفضل في حقه أن يمسك قوته ثم يتصدق بما فضل، انتهى.

وحاصل ما ذكروه أن تصدق الفقير الغني القلب ولو كان قليلًا أفضل من تصدق الغني بكثير المال (١) ولو كان كثيرًا، فهو من أدلة أفضلية الفقير الصابر على الغني الشاكر، وأن عبادة الأول مع قلتها أفضل من الثاني مع كثرتها، فكيف بتساويهما؟ ويحتمل أن يكون المراد من الحديث ما ورد في حديث مرفوع: "سبق درهمٌ مائةَ ألف درهم، قالوا: يا رسول الله، وكيف؟ قال: رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به، ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه مائة ألف فتصدق بها"، رواه النسائي (٢) عن أبي ذر.

(قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر) أي هجرة من هجر، أو يقال: فأي صاحب الهجرة أفضل، وكذا في البواقي (ما حرم الله عليه).

والحاصل أن الهجرة على نوعين: أحدهما هجرة الوطن في الله تعالى، والثاني هجرة عن المعاصي والمحرمات، فالأفضل في الهجرة هي الثانية وهي ترك المحرمات، فأما الأولى، فإذا كان مع ترك المحرمات فهو أفضل، وأما إذا لم يترك المحرمات فلا يساوي درجة الهجرة الثانية.


(١) كذا في الأصل، وفي "المرقاة" (٤/ ٤٢٨): بكثرة المال.
(٢) "سنن النسائي" (٢٥٢٨) وفيه: عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>