(عن عقبة بن عامر قال: بينا أنا أسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الجحفة) بالضم ثم السكون والفاء، كانت قرية كبيرة ذات منبر، على طريق المدينة من مكة، على أربع مراحل، وهي ميقات أهل مصر والشام، وكان اسمها مهيعة، وإنما سميت الجحفة، لأن السيل اجتحفها، وهي الآن خراب، وهي التي دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقل حمى المدينة إليها فانتقلت إليها، وكان لا يمر بها طائر إلَّا حمي، ولخفاء موضعها الآن استبدل الناس الإحرام من رابغ (١) محل مشهور قبيلها، لأمنه وكثرة مائه.
(والأبواء) بالفتح ثم السكون وواو وألف ممدودة، سميت بها لتبوأ السيول بها، قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، قال السكري: الأبواء جبل شامخ مرتفع ليس عليه شيء من النبات، وهناك بلد ينسب إلى هذا الجبل، وبها قبر آمنة بنت وهب أم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل) أي شرع (رسول الله يتعوذ بـ {أَعُوذُ بِرَبِّ اَلفَلَقِ} قال في "القاموس": الفلق محركة: الصبح، أو ما انفلق من عموده، أو الفجر، والخلق كله، وجهنم، أو جُبٌّ فيها. (و {أَعُوذُ بِرَبِّ اَلنَاسَ}) أي بهاتين السورتين المشتملتين على ذلك.
(ويقول) الظاهر قال، وعدل إلى الاستقبال لاستحضار الحال الماضية، أو لمشاكلة ما عطف عليه، ويحتمل وقوع التكرار منه عليه الصلاة والسلام حثًّا له وتحريضًا (يا عقبة تعوذ بهما) أي اقرأهما تعوذًا (فما تعوذ متعوذ بمثلهما)