على أن الغنم تُقَلَّد، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن حبيب. وقال مالك وأبو حنيفة (١): لا تُقَلَّد؛ لأنها تضعف عن التقليد، وقال أبو عمر: احتج من لم يره بأن الشارع إنما حج حجة واحدة لم يُهْدِ فيها غنمًا، وأنكروا حديث الأسود الذي في البخاري في تقليد الغنم، قالوا: هو حديث لا يعرفه أهل ييت عائشة، وقال بعضهم: ما أدري ما وجه الحجة منه؛ لأن حديث الباب دل على أنه أرسلها وأقام، فكان ذلك قبل حجته قطعًا، فلا تعارض بين الفعل والترك؛ لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز، ثم من الذي صرح من الصحابة بأنه لم يكن في هداياه في حجته غنم حتى يسوخ الاحتجاج بذلك؟ انتهى.
قلت: الهدي الذي أرسل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغنم ليس هدي الإحرام، ولهذا أقام حلالًا، بعد إرساله، ولم ينقل أنه أهدى غنمًا في إحرامه، وقوله: فلا تعارض بين الترك والفعل، كلام واهٍ, لأن من ادعى التعارض بينهما، والتعارض تقابل الحجتين، وهاهنا الفعل لم يوجد، فكيف يتصور التعارض؟ وقوله:"ثم من الذي صرح من الصحابة"؟ إلى آخره يرد بأن يقال من الذي صرح منهم بأنه كان في هداياه في حجته غنم.
وقال هذا القائل أيضًا: والحنفية في الأصل يقولون: ليست الغنم من الهدي، فالحديث حجة عليهم.
قلت: هذا افتراء على الحنفية، ففي أي موضع قالت الحنفية: إن الغنم ليست من الهدي! بل كتبهم مشحونة بأن الهدي اسم لما يُهدَى من النعم إلى الحرم ليتقرب به. قالوا: وأدناه شاة لقول ابن عباس: "ما استيسر من الهدي
(١) وفي "الكوكب الدري" (٢/ ١٣٣): أن الحنفية أنكروا التقليد بالنعل وغيره، والثابت بالعهْن، ولم ينكره الحنفية، وقال العيني: على أنهم ما منعوا الجواز، وإنما قالوا: إن تقليد الغنم ليس بسنة. (ش).