من مكة إلى عرفة. وقالت طائفة: يقطعها إذا راح إلى الموقف، رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة، عن عائشة، وسعد بن أبي وقاص، وعلي، وبه قال مالك، وقَيَّده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعي والليث. وعن الحسن البصري مثله، لكن قال: إذا صلَّى الغداة يوم عرفة.
واختلف الأولون: هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة، أو عند تمام الرمي؟ فذهب جمهورهم إلى الأول، وإلى الثاني أحمد (١) وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس، عن الفضل قال: "أفضت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرةَ العقبة، ويكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة". قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد [بقوله]: "حتى رمى جمرة العقبة" أي: أتمَّ رميَها، انتهى.
قلت: وهذا الذي قاله الفضل من أنه قطع التلبية مع آخر حصاة رأى منه؛ فإنه فهم منه أن قطع التلبية كان مع آخر حصاة، ولم يثبت عن أحد من أصحابه - صلى الله عليه وسلم - أنه - صلى الله عليه وسلم - لبى في أثناء الرمي، فلو كان ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - لبى في أثناء الرمي لكان فهم فضل هذا حجة.
١٨١٦ - (حدثنا أحمد بن حنبل، نا عبد الله بن نمير، نا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن أبي سلمة) الماجشون، (عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه) عبد الله بن عمر (قال: غدونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مني إلى عرفات،
(١) هكذا عند الحافظ وغيره، لكن فروعه مصرَّحة لقطعها في أول الرمي، كما حكاه عنها في "الأوجز" (٦/ ٥٤٢). (ش).