ابن مربع الأنصاري"، وهذا السياق يدل على أن قوله: "مكانًا بعيدًا من الموقف" من كلام يزيد بن شيبان لا من كلام غيره، وهكذا في إحدى روايتي البيهقي قال: "كنا وقوفًا بعرفة في مكان بعيد من الموقف، فأتانا ابن مربع الأنصاري"، وفي ابن ماجه المطبوعة بمصر قال: "كنا وقوفًا في مكان تباعده من الموقف، فأتانا ابن مربع".
قال السندي في حاشيته: قوله: "تباعده من الموقف" أي من موقف الإِمام، وهو من باعد بمعنى بَعَّد مشددًا، عمرو هو المخاطب بهذا الكلام، أي: مكانًا تبعده أنت، أي تعده بعيدًا، والمقصود تقدير بُعده، وأنه مسلم عند المخاطب، ويحتمل أن هذا من كلام الراوي عن عمرو بمنزلة: قال عمرو: كان ذلك المكان بعيدًا عن موقف الإِمام، أو من كلام عمرو.
وفي نسخة لابن ماجه أيضًا المطبوعة بالهند قال: "كنا وقوفًا بمكان نباعده من الموقف فأتانا ابن مربع"، وكتب عليه شيخ مشايخنا الشيخ عبد الغني المجددي المهاجر المدني: قوله: "كنا وقوفًا في مكان نباعده"، أي: نظن مكان وقوفنا بعيدًا من موقف الإِمام، فضبطه بصيغة المتكلم مع الغير.
وهذا الاختلاف مبني على كتابة لفظ "يباعده"، فمن كان في نسخته بالتاء ظنه صحيحًا، وكتب عليه الحاشية، وكتب توجيهه، ومن كان في نسخته بالنون كتب توجيهه.
والصواب عندي ما في نسخ أبي داود وغيره بلفظ: "يباعده عمرو عن الإِمام"، ومعناه على هذه النسخة: إن عمرو بن دينار يقول: يباعده، أي يبينه بعيدًا عمرو، أي عمرو بن عبد الله بن صفوان عن الإِمام، ويحتمل أن يقال: إن هذا من كلام سفيان، فيقول: يباعده، أي يبعده عمرو بن دينار عن الإِمام، وقد ثبت في رواية النسائي في قوله: قال يزيد بن شيبان: "كنا وقوفًا بعرفة مكانًا بعيدًا من الموقف"، فبيان بعد المكان داخل في كلام يزيد بن شيبان، ففي كلام عمرو ليس إلا بعد المكان عن الإِمام.