مثلُ ما أصاب غيرَه، ويختص بالشق الأيسر، لكن قد روى مسلم في "صحيحه" أيضًا من حديث أنس قال: لما رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة، ونحر نسكه، وحلق، ناول الحلاقَ شقَّه الأيمن، فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إياه، ثم ناوله الشقَّ الأيسرَ فقال:"احلق"، فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال:"اقسمه بين الناس"، ففي هذه الرواية كما ترى أن نصيبَ أبي طلحة كان الشق الأيمن، وفي الأولى أنه كان الأيسر.
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي: رواه مسلم من رواية حفص بن غياث وعبد الأعلي بن عبد الأعلى، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أنس:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى أبي طلحة شعرَ شقهِ الأيسر", ورواه من رواية سفيان بن عيينة، عن هشام بن حسان:"أنه دفع إلى أبي طلحة شعر شقه الأيمن". قال: ورواية ابن عون، عن ابن سيرين أراها تقوي روايةَ سفيان، والله أعلم.
قلت: يريد برواية ابن عون ما ذكرناه عن ابن سيرين من طريق البخاري، وجعل الذي سبق إليه أبو طلحة هو الشق الذي اختص به، والله أعلم.
والذي يَقْوَى أن نصيب أبي طلحة الذي اختص به كان الشقَّ الأيسرَ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - عَمَّ، ثم خَص، وهذه كانت سُنَّتَه في عطائه، وعلى هذا أكثر الروايات؛ فإن في بعضها أنه قال للحلاق:"خذ"، وأشار إلى جانبه الأيمن، فقسم شعره بين من يليه، ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه، فأعطاه أمَّ سليم، ولا يعارض هذا دفعُه إلى أبي طلحة فإنها امرأتُه.
وفي لفظ آخر: فبدأ بالشق الأيمن، فوزَّعه الشعرةَ والشعرتين بين الناس، ثم قال: بالأيسر، فصنع به مثل ذلك، ثم قال: ههنا أبو طلحة؟ فدفعه إليه.
وفي لفظ ثالث: دفع إلى أبي طلحة شعرَ شقه الأيسر، ثم قلَّم أظفاره وقسمها بين الناس.