والحاصل أن الطعن في هذا الحديث بوجوه: الأول: جهالة أبي زيد، الثاني: التردد في أبي فزارة، هل هو راشد بن كيسان أو غيره؟ الثالث: أن أبا فزارة هذا كان نبَّاذًا بالكوفة، الرابع: أن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - لما سئل هل كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ليتني كنت، وكذلك سئل تلميذه علقمة هل كان صاحبكم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن؟ فقال: وددنا أنه كان، الخامس: أنه من أخبار الآحاد ورد على مخالفة الكتاب، ومن شرط ثبوت خبر الواحد أن لا يخالف الكتاب، فإذا خالف لم يثبت، أو ثبت لكنه نسخ به, لأن ليلة الجن كانت بمكة.
أما الجواب عن جهالة أبي زيد، فمرَّ الجواب عنه بأنه روى عنه أبو فزارة وأبو روق فارتفعت الجهالة، وقال في "البدائع"(١): فقد قال صاعد - وهو من زهاد التابعين -: وأما أبو زيد فهو مولى عمرو بن حريث، فكان معروفًا في نفسه وبمولاه، فالجهل بعدالته لا يقدح في روايته على أنه قد روي هذا الحديث من طرق أُخر غير هذا الطريق لا يتطرق إليها طعن.
وعن الثاني بأن الحافظ وغيره من المحققين صرحوا بأن أبا فزارة هذا الذي يروي عن أبي زيد عن ابن مسعود هو راشد بن كيسان؛ فارتفع التردد منه.
وعن الثالث بأن أبا فزارة كونه نبَّاذاً بالكوفة لم يثبت، بل الذي كان نباذًا بالكوفة هو شيخه أبو زيد كما نقل الحافظ عن أبي داود، ولو سلم فلا يقدح فيه, لأنه يمكن أن يصنع النبيذ ما لم يبلغ حد الإسكار، ولا مطعن فيه.