يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته) عند الله (إلى ما هاجر إليه) لا إلى الله ورسوله.
ولفظ إنما للحصر، فالتقدير أن الأعمال تعتبر إذا كانت بنية، ولا تعتبر إذا كانت بلا نية، ولا يمكن ها هنا نفس الأعمال لثبوتها حِسًّا وصورة من غير اقتران النية بها، فلا بد من إضمار شيء يتوجه إليه النفي، ويتعلق به الجار، فقيل: التقدير صحيحة أو تصح، كما هو رأي الشافعي وأتباعه، وقيل: كاملة أو تكمل على رأي أبي حنيفة وأصحابه.
والأظهر أن المقدر معتبرة أو تعتبر؛ ليشمل الأعمال كلها، سواء كانت عبادات مستقلات، كالصلاة والزكاة، فإن النية تعتبر لصحتها إجماعًا، أو شروطًا في الطاعات كالطهارة وستر العورة، فإنها تعتبر لحصول ثوابها اتفاقًا، لعدم توقف الشروط على النية في الصحة، خلافًا للشافعي في الطهارة، فعليه بيان الفرق، أو أمورًا مباحة، فإنها قد تنقلب بالنيات حسنات، كما أنها قد تنقلب سيئات بلا خلاف.
غاية ما في الباب أن متعلق الصحة والكمال يُعْرفُ من الخارج ولا محظور فيه، وقوله: "أو امرأة يتزوجها" بعد قوله: "ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها" تخصيص بعد تعميم، وتنبيه على أن الحديث وقع في محل خاص، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ، وهو ما روى الطبراني بسند رجاله ثقات عن ابن مسعود، قال: "كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها، قال: فكنا نسميه مهاجر أم قيس".
ومناسبة الحديث بالباب أن بعض ألفاظ الطلاق يحتاج فيها لوقوع الطلاق إلى النية، فأما الألفاظ الصريحة (١) للطلاق فلا يحتاج فيها إلى النية، بل يقع
(١) قال ابن رشد (٢/ ٧٥): المشهور عن مالك أن الطلاق يحتاج إلى النية، وقال الشافعي والحنفية: الصريح لا يحتاج. (ش).