للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

خيرت فيه بريرة، وعبدًا قبل ذلك، فيكون قول من قال: "كان عبدًا" محمولًا على الحالة المتقدمة، وقول من قال: "كان حرًا" محمولًا على الحالة المتأخرة، فإذًا لا يبقى تعارض، ويثبت قول من قال: إنه كان حرًا، فيتعلق الحكم به.

ولئن سَلَّمنا أن جميع الروايات أخبرت بأنه كان عبدًا، فليس فيه ما يدل على عدم صحة ما يذهب ممن يذهب: أن زوج الأمة إذا كان حرًا فأعتقت الأمة ليس لها الخيار؛ لأنه ليس فيه ما يدل على ذلك؛ لأنه لم يأت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إنما خيرتها, لأن زوجها عبد، وهذا لا يوجد أصلًا في الآثار, فثبت أنه خيرها لكونها قد أعتقت، فحينئذ يستوي فيه أن يكون زوجها حرًا أو عبدًا، وردَّ بهذا على صاحب "التوضيح" في قوله: لأن خيارها إنما وقع من أجل كونه عبدًا، ولو اطلع هذا على ما قلنا من التحقيق لما قال هكذا، انتهى.

وأجاب عنه الحافظ (١) فقال: وحاول بعض الحنفية ترجيح رواية من قال: "كان حرًا" على رواية من قال: "كان عبدًا"، فقال: الرق تعقبه الحرية بلا عكس، وهو كما قال، لكن محل طريق الجمع إذا تساوت الروايات في القوة، أما مع التفرد في مقابلة الاجتماع، فتكون الرواية المنفردة شاذة، والشاذ مردود، ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين الروايتين، مع قولهم: إنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع.

قلت: وهذا عجيب من مثله، فإنه اشترط في الشذوذ المخالفة، وإذا لم تكن بين الحديثين مخالفة لا يحكم بالشذوذ، والأصل في الروايات الجمع. وأما الاختلاف فهو خلاف الأصل، وهذان الحديثان واقعتان على الأصل ليس بينهما اختلاف أصلًا، وكون مغيث عبدًا وكونه حرًا كلاهما صحيح، فلما لم يكن بينهما اختلاف، لا يصار إلى ترجيح أحدهما على الآخر، فدعوى الشذوذ باعترافه باطل.


(١) "فتح الباري" (٩/ ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>