للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِنَّمَا هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ".

===

والقول الآخر: أنه كنى بالوسادة عن الموضع الذي يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام، والعرب تقول: فلان عريض القفا إذا كان فيه غباوة وغفلة، وقد روي في هذا الحديث من طريق أخرى: "إنك عريض القفا".

وجزم الزمخشري بالتأويل الثاني فقال: إنما عرَّض النبي - صلى الله عليه وسلم - قفا عدي, لأنه غفل عن البيان، وعرض القفا مما يستدل به على قلة الفطنة، وأنشد في ذلك شعرًا.

وقد أنكر ذلك كثير، منهم القرطبي فقال: حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم، وكأنهم فهموا أنه نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه، وعضدوا ذلك بقوله: "إنك عريض القفا"، وليس الأمر على ما قالوه, لأن من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التي هي الأصل إن لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذمًّا، ولا ينسب إلى جهل، وإنما عني- والله أعلم- أن وسادك إن كان يغطي الخيطين اللذين أراد الله فهو إذًا عريض واسع، ولهذا قال في إثر ذلك: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار فكأنه قال: فكيف يدخلان تحت وسادتك؟ وقوله: "إنك لعريض القفا أي: إن الوساد الذي يغطي الليل والنهار لا يرقد عليه إلا قفا عريض للمناسبة.

(إنما هو) أي الخيط الأسود والخيط الأبيض (الليل والنهار) أي سواد الليل وبياض النهار، وحديث عدي هذا يقتضي أن قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} نزل متصلًا من قوله: "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض", لأنه قد ثبت أن عديًا تأخر إسلامه إلى السنة التاسعة أو العاشرة، فلعل عديًا حمل قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} على السببية، أو نسي قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} حتى ذكره بها النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأما حديث سهل بن سعد الذي أخرجه البخاري في "الصحيح" قال: أنزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (١)، ولم ينزل {مِنَ الْفَجْرِ}، الحديث، فإنه ظاهر في أن قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} نزل بعد ذلك برفع ما وقع لهم من الإشكال، وقد قيل: إنه كان بين نزولهما عام كامل.


(١) سورة البقرة: الآية ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>