للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ". [خ ١٠، م ٤٠ (مختصرًا)، حم ٢/ ١٦٣، ق ١٠/ ١٨٧، ن ٤٩٩٥]

===

الغالب، لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدًا، والإتيان بجمع التذكير للتغليب، فإن المسلمات يدخلن في ذلك.

وخص اللسان بالذكر لأنه المعبر عما في النفس، وكذا اليد لأن أكثر الأفعال بها، والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد, لأن اللسان يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد، بخلاف اليد، نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة، وإن أثرها في ذلك لعظيم، ويستثنى من ذلك شرعًا تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المسلم المستحق لذلك، وفي التعبير باللسان دون القول نكتة، فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء، وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة، فيدخل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق، وفيه من أنواع البديع تجنيس الاشتقاق وهو كثير.

(والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) هو بمعنى الهاجر، وإن كان لفظ المفاعل يقتضي وقوع الفعل من اثنين، لكنه هنا للواحد كالمسافر، ويحتمل أن يكون على بابه, لأن من لازم كونه هاجرًا وطنه مثلًا أنه مهجور من وطنه، والهجرة ضربان: ظاهرة، وباطنة، فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمَّارة بالسوء والشيطان، والظاهرة الفرار بالدين من الفتن، وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتَّكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه، ويحتمل أن يكون ذلك قيل بعد انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييبًا لقلوب من لم يدرك ذلك، بل حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه (١).


(١) انظر: "فتح الباري" (١/ ٥٣، ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>