ولا الرجل الذي أتى آخرًا، وأما الرواية التي فيها:"وتسعة عشر"، فيحتمل أنه ضم إليهم من استصغر، ولم يؤذن له في القتال يومئذ كالبراء وابن عمر، وكذلك أنس.
وقد روى أحمد بسند صحيح عنه: أنه سئل: "هل شهدت بدرًا؟ فقال: وأين أغيب عن بدر"، انتهى. وكأنه كان حينئذ في خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحكى السهيلي: أنه حضر مع المسلمين سبعون نفسًا من الجن، وكان المشركون ألفًا، وقيل: سبعمائة وخمسون، وكان معهم سبعمائة بعير ومائة فرس (١).
ومن هذا القبيل جابر بن عبد الله، فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عنه قال:"كنت أميح الماء لأصحابي يوم بدر"، وإذا تحرر هذا الجمع فليعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال، وإنما شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستة، كما أخرجه ابن جرير.
وسيأتي من حديث أنس أن ابن عمته حارثة بن سراقة خرج نظارًا، وهو غلام يوم بدر، فأصابه سهم فقتل، وعند ابن جرير من حديث ابن عباس:"أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وستة رجال"، وقد بين ذلك ابن سعد، فقال:"إنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة"، وكأنه لم يعد فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وبيَّن وجه الجمع بأن ثمانية أنفس عدوا في أهل بدر، ولم يشهدوها، وإنما ضرب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم بسهامهم؛ لكونهم تخلفوا لضرورات لهم، وهم: عثمان بن عفان تخلف لزوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإذنه، وكانت في مرض الموت، وطلحة وسعيد بن زيد بعثهما يتجسسان عير قريش، فهؤلاء من المهاجرين، وأبو لبابة رده من الروحاء، واستخلفه على المدينة، وعاصم بن عدي استخلفه على أهل العالية، والحارثة بن حاطب على بني عمرو بن عوف،
(١) وقال الرازي في تفسير سورة "والعاديات": كان مع المسلمين فرسان للزبير والمقداد. (ش).