وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه - رحمه الله تعالى-: قوله: "بارك الله فيها ... إلخ"، وكان ذلك لقطة إلَّا أن تعريفها كان قريبًا من المتعذر، فإن الفأرة لا يعلم من أين أخذت، والتعريف يتعذر في الأمكنة كلها، فكان الإنفاق على المقداد كإنفاق الفقير لقطة على نفسه بعد تعريفها، وكان المقداد محتاجًا إليها، فرخصه فيها، وإنما برّكه لما علم من قناعته حيث اكتفى بما تيسر، ولم يتبع حرصه في تفتيش المزيد عليه وأما المقداد فإنما لم يهو إلى الجحر لما علم أن إخراج الفأرة هذه الخرقة قال على أنه لم يبق من ماله بقية.
بقي ها هنا شيء، وهو أن بعض الناظرين وجه السؤال عن الإهواء إلى الجحر بأنه لو هوى إلى الأرض لكان ذلك ركازًا, ولوجب فيه الخمس (١)، ولا يفهم لذلك التوجيه وجه، فإن الأمر لم يكن إلى إهوائه إلى الأرض مع أنه قد بين ما وقع من القضية، مع أن المقداد لو أخذه من الجحر لكان في وجود الخرقة دليل على أنه ليس بقديم، إذ لو كان كذلك لما بقيت الخرقة ساعة، ولا يجب الخمس إلا في العادي الذي لا يعرف صاحبه، أو في ما هو مخلوق خلقة، فلم يكن ذلك السؤال إلا لما قلنا من أنه سبر بذلك غور قناعته.
ولعل الوجه فيه: أن الكنز ما يخرجه الإنسان مما كان مدفونًا، واللقطة ما وجده منبوذًا على وجه الأرض، ولكل منهما أحكام خاصة، فلو أنه أخرجه بيده لكان ذلك كنزًا بخلاف ما إذا أخرجته الفأرة، انتهى كلامه.
(١) قلت: فقد قال بذلك ابن العربي في "العارضة" (٣/ ١٤٠) إذ قال: وهذا الحديث يحتمل تأويلين: أحدهما أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاه الكل؛ لأنه ركاز، فالأربعة الأخماس حقه والخمس الواجب فلأنه مصرف له لفقره. والثاني: أنه عليه الصلاة والسلام قال له: هل هويت؟ المعنى أنه لو حاوله بعمد يقضى إليه لكان ركازًا، وإذا لم يعتمد به كانت لقطة قد علم عدم مالكها شرعًا. انتهى. (ش).