للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَسَّرَهُ لِي عُقْبَةُ: قَدَحٌ غُدْوَةً، وَقَدَحٌ عَشِيَّةً، قَالَ: "ذَاكَ- وَأَبِي- الْجُوعُ"، فَأَحَلَّ لَهُمُ الْمَيْتَةَ عَلَى هَذ الْحَالِ (١). [ق ٩/ ٣٥٧]

===

(قال أبو نعيم) وهو الفضل بن دكين شيخ المصنف: (فسره) أي لفظ نغتبق ونصطبح (لي) شيخي (عُقبة: قدح) أي من اللبن (غدوة، وقدح عشية، قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ذلك) أي الحال (وأبي) الواو للقسم تأكيدًا (الجوع) أي هذا القدر لا يكفي من الجوع، بل هو الجوع المجوز للميتة المثبت حالة المخمصة (فأحل لهم الميتة على هذه الحال).

قال الخطابي (٢): القدح من اللبن بالغداة، والقدح بالعشي يمسك الرمق، ويقيم النفس، وإن كان لا يغذو البدن ولا يشبع الشبع التام، وقد أباح لهم مع ذلك تناول الميتة، فكان دلالة أن تناول الميتة مباح إلى أن تأخذ النفس حاجتها من القوت، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس، وهو قول الشافعي، وذلك أن الحاجة منه قائمة إلى الطعام في تلك الحالة كهي في الحال المتقدمة، فمنعه في إباحته له غير جائز قبل أن يأخذ منه حاجته، وهذا كالرجل يخاف العنت، ولا يجد طولًا لحرة، فإذا أبيح له نكاح الأمة، وصار إلى أدنى حال التعفف لم يبطل النكاح.

وقالا أبو حنيفة: لا يجوز له أن يتناول منها إلَّا قدر ما يمسك رمقه، وإليه ذهب المزني، وقالوا: ذلك لأنه لو كان في الابتداء بهذه الحالة لم يجز له أن يأكل شيئًا منها، فكذلك إذا بلغها بعد تناولها، وقد روي نحو ذلك عن الحسن البصري، وقال قتادة: لا يتضلع، انتهى.

وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم: لعل أبا داود أورد الحديثين لإثبات مذهبهم، وأراد أن الاضطرار لا يتوقف على خوف الهلاك، كيف وقد ثبت في الرواية الأولى مطلق الأكل، فلا يتقيد بقدر، وفي الثانية ثبت أن خوف الهلاك


(١) زاد في نسخة: "قال أبو داود: الغَبوق من آخر النهار، والصبوح من أول النهار".
(٢) "معالم "السنن" (٤/ ٢٥٣, ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>