للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ"

===

المجذوم فرارك من الأسد"، وهذان الحديثان يثبتان العدوى، فاختلفوا في وجه الجمع بينهما، فقال بعضهم: نفي العدوى هو الأصل، وأما الحديثان الآخران فهما محمولان على سد الذرائع لا على إثبات العدوى، وقال بعضهم: إن الأصل فيه هذان الحديثان، أي بأن الله سبحانه على جري عادته يعدي المرض من حيوان إلى آخر بسبب المخالطة، ونفي العدوى محمول على أنه لا عدوى بالذات، بل هو بجري عادة الله سبحانه وتعالى (١).

(ولا صفَر) بفتح الفاء، قيل: هو ما كانت الجاهلية تعتقد، أن في البطن دابة كالحية تهيج عند جوع الآدمي وتؤذيه، فأبطله الإسلام، وقيل: أراد به النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، وهو تأخير شهر المحرم إلى صفر، ويجعلون صفر هو الشهر الحرام، فأبطله الله في الإِسلام.

(ولا هامة) بتخفيف الميم على المشهور، ورجح القرطبي التشديد، وفيه تأويلان: أحدهما: أن العرب كانت تتشاءم بالهامة، وهي الطائر المعروف من طير الليل، قيل: هي البومة، كانوا إذا أسقط على دار أحدهم رآها ناعية له بعينه أو بعض أهله، هذا تفسير مالك.

والثاني: أن العرب كانت تعتقد أن (٢) روح الآدمي، وقيل: عظامه تنقلب هامة يطير ويسمَّونها الصدى. وقيل: روح القتيل الذي لا تدرك بثأره يصير هامة، فيقول: اسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت، والثاني قول أكثر العلماء، قاله ابن رسلان.


(١) وحكي في "أنفاس عيسى" عن حضرة الشيخ التهانوي- نوَّر الله مرقده- في العدوى ثلاثة مذاهب: الأول: أن العدوى ثابت، ولا يتوقف على مشيئة الله تعالى، وهذا كفر صريح. والثاني: اعتقاد ثبوت العدوى بالمشيئة، لكن المشيئة ضرورية، وهذا المذهب باطل، لكنه ليس بكفر. والثالث: أنه مقيد بالمشيئة، والمشيئة ليست بضرورية إن شاء الله يعدي وإلَّا فلا، لكن الأحاديث الصحيحة تدل على أن العدوى ليس بشيء. (ش).
(٢) الظاهر بدله: أنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>