قَالَ: فَقَالَ الْمِقْدَامُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَبْرَحُ الْيَوْمَ حَتَّى أُغِيظَكَ وَأُسْمِعَكَ مَا تَكْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ! إنْ أَنَا صَدَقْتُ فَصَدِّقْنِي، وَإنْ أَنَا كَذَبْتُ فَكَذبْنِي. قَالَ: أَفْعَلُ. قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن لُبْسِ الْحَرِيرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَالرُّكُوب عَلَيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا كُلَّهُ في بَيْتِكَ يَا مُعَاوِيَةُ،
===
(قال: فقال المقدام) حين سمع ما قاله في ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمراعاة معاوية بن أبي سفيان، (أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك) فيه (ما تكره) كما أسمعتني ما أكره فيه (ثم قال: يا معاوية! إن أنا صدقت فَصَدِّقْني) في قول (وإن أنا كذبت فكذِّبْني، قال) معاوية: (أفعل، قال) المقدام: (فأنشدك) أي: أقسمك (بالله هل سمعتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن لبس الذهب؟ قال) معاوية: اللهُمَّ (نعم، قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى) الرجال (عن لبس الحرير؟ قال) معاوية: (نعم، قال) المقدام: (فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس جلود (١) السباع، والركوب عليها؟ قال) معاوية:(نعم).
(قال) المقدام: (فوالله لقد رأيت هذا كلَّه في بيتك يا معاوية) أي على أهلك، فيه أن ما في بيت الآدمي من مكروه أو حرام منسوب إلى مالكه في كونه لا ينكره.
(١) استدل بذلك الموفق على مسلكهم من أنه إذا ذبح ما لا يؤكل لحمه كان جلده نجسًا، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك: يطهر؛ لقوله عليه السلام: "دباغ الأديم ذكاته" أي: كذكاته، فشبه الدبغ بالذكاة، والمشبه به أقوى من المشبه، فإذا طهر الدبغ مع ضعفه، فالذكاة أولى، ولنا هذا الحديث، فإنه عام في المذكى وغيره، انتهى. [انظر: "المغني" (١/ ٩٤)]. (ش).