كتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه - رحمه الله -: قوله: "بقية على أقذاء" يعني أنها تبقى بقية من الخير إلَّا أنها ليست في صفاء الأول، بل فيها كدر وأقذاء، وهذا ظاهره لا يصدق على وقعة الردة إذ لم يكن بعدها كدر، وإنما كانت الكدورات بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه -، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وهدنة على دخن"، إلَّا أن تحمل البعدية على غير المتصلة منها، أو يقال على بعد: إن الأمر لم يكن من صفاء القلوب بعد أبي بكر مثله في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم يظهر في أمر الدين إلا قوة وشدة، كما وقعت في أيام عمر - رضي الله عنه -.
وبالجملة فحمل قوله ها هنا بالسيف على المقاتلة بقتلة عثمان أوفق بالعبارة، وليس في أخذ السيف ها هنا سعي في الفتنة حتى تلزم مخالفة قوله - صلى الله عليه وسلم - في الفتن وشدة توكيده في التحرز عنها، وذلك لما قلنا: إن الفتنة إنما هي فتنة ما لم يظهر خطؤها من الصواب.
وأما إذا عرفت الحقَّ وجب عليك تأييد صاحب الحق على مخالفه، وبذلك ينحل وجه اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم- فيما بينهم، حيث أعانوا طائفة طائفة، ومنهم من فَرَّ بدينه، وصار بمعزل منهما جميعًا، كما في قصة علي - رضي الله عنه - يوم الجمل، فليس على أحد منهم اعتراض، وذلك لأن من أعان أحدًا منهم فإنما أعان لما رآه على الحق عنده، ومن رأى ذلك فتنة، ولم يظهر الصواب عنده، لم يشارك أحدًا منهما، انتهى.
قلت: قوله: "بقية على أقذاء، وهدنة على ضغن"، والذي أظن في معناه هذه إشارة إلى ما وقع بين علي ومعاولة - رضي الله عنهما- من الصلح والتحكيم، فهذه إشارة إليه، وأما قوله: قال: "السيف"، ، فحمله عندي على الفتنة التي في آخر زمن عثمان - رضي الله عنه -، كما قال شيخنا - رحمه الله - أولى مما قال قتادة.