له علم يقين بأن قتل عثمان - رضي الله عنه - إنما هو بإشارة علي - رضي الله عنه -، وعِلْمِه بذاك، وصار وجود الحسنين على الباب قرينةً لذاك وحجةً للمعاندين الذين كانوا مُتَصَدِّيْن لإفساد ما بينهم، وكذلك نقول فيمن لم يبايع يزيدَ منهم، ومن بايعه منهم، فإن معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوا الآخر" ليس على إطلاقه، كيف: ولو كان الأمر بقتل الآخر مطلقًا عن كل تقييد لأدى ذلك إلى تكليف بما لا يطاق، كيف وإنه أمر لكل من يأتي منه القتل ويتيسر، لا لمن لم يتأت منه ذلك أيضًا، وإذا كان أمر القتل للمتمكن منه لا مطلقًا كان ذلك إجازة لانقياد المتغلب إذا لم يتيسر قتله، وإلَّا لكان إلقاء لنفسه في التهلكة بمخالفته.
وإذا تحققت هذا فاعلم أن الصحابة كلهم اتفقوا بعد علي - رضي الله عنه - على معاوية - رضي الله عنه -، ولما وصلت النوبة إلى يزيد بن معاوية، تفرقت منهم فرق، فمن جَوَّز خلافته نَظَرَ إلى النصوص الواردة في إطاعة أئمة الجور، ومن لم يجوِّزْها افتقر إلى خليفة آخر يقوم به أمرهم.
فمن هذا الأخير: ابن الزبير - رضي الله عنه -، فإنه رأى نفسه أحق بالخلافة، فأخذ البيعة، ولعله أخذ البيعة قبل بيعة يزيد أو معه، فعلى الوجهين جميعًا فلا يلزم أن يكون من خالف يزيد ولم يبايعه باغيًا، كيف وأنه لم يَصرْ خليفة حتى يلزم من مخالفته البغاوةُ، نعم يشكل على ذلك بيعة ابن عمر - رضي الله عنه - فنقول: إنه إنما بايع يزيدَ لما رأى من تغلبه، وخاف الفتنة لو أنكره، فكان ذلك من الذين أشرنا إليه قريبًا.
وأما ابن الزبير فقد رأى من نفسه أن يقاومه فلم يطاوعه، ولم يقو على ذلك ابن عمر - رضي الله عنه -، وذلك لأنه لم يَعُدَّ قوة ابن الزبير بحيث يقدر على مقاومة يزيد ومقابلته، وإن زعم ابن الزبير من نفسه ذلك.
بقي ها هنا شيء وهو أن حسين بن علي - رضي الله عنه - كيف أحجم عن بيعة الرجلين جميعًا، فنقول:
أما يزيد لم يتعاقد الحسين البيعة معه؛ لما لم يره متأهلًا لها، مع أن أهل الحل والعقد لم يكونوا اتفقوا بعد على أحد حتى يلزم بمخالفته البغي.