ومناسبة (١) الحديث بالباب بأن هرقل لم يكن ذميًّا بل كان كافرًا، فلما كتب - صلى الله عليه وسلم - إليه وبدأ باسمه قبل اسم هرقل، فيعلم منه أن الذمي الذي هو تابع لنا في دارنا إذا كتب إليه يبدأ باسمه قبل اسم الذمي، وأما الاستدلال على تقدم ذكر الكاتب قبل المكتوب إليه على العموم فمحل نظر، بل الحديث يدل على أن الأعلى إذا كتب إلى الأدنى يبدأ باسم نفسه قبل المكتوب إليه.
وذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كان أعلى باعتبار الدين والدنيا من هرقل، فإنه وصف نفسه بكونه رسول الله، ووصف هرقل بكونه عظيم الروم، ثم دعاه إلى الانقياد والاستسلام، فهذا يدل ظاهرًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم من ملك الروم فبدأ بنفسه، وكذلك من يكون أعظم من المكتوب إليه يبدأ بنفسه، وأما إذا كان المكتوب إَليه أعظم كالولد يكتب إلى والده، أو الرجل يكتب إلى شيخه فينبغي حينئذ أن يبدأ باسم المكتوب إليه لا باسمه.
وأما حديث العلاء بن الحضرمي فإنه بدأ باسمه في كتابته إلى رسول الله اتباعًا، واقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما تقريره - صلى الله عليه وسلم - فلأجل بيان الجواز، قال المنذري: فيهما أي في روايتي ابن العلاء مجهول، قال بعضهم: يبدأ بالكتاب باسمه، فيقول: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان.
(أاما بعد) وذكر هذا الحديث حجة لذلك، وقد كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل، وقال حماد بن زيد: كان الناس يكتبون من فلان بن غطلان أما بعد، وقال غيره: إذا بدأ الكاتب باسم المكتوب إليه فقد كره ذلك غير واحد من السلف، وأجازه بعضهم، وقيل: أما الأب فيقدم، ولا يبدأ ولده باسمه على والده، والكبير السن كذلك يوقر به، انتهى.
(١) والظاهر عندي أن غرض المصنف بهذه الترجمة كيف يكتب إليه السلام، وأما مسألة بدء الاسم فتقدمت في الترجمة السابقة. (ش).