للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا سيما في بغداد، فقد نمت المذاهب الأربعة ودوِّنت، وأصبح معظم الناس أتباعًا لها، ونمت علوم القرآن، لا سيما التفسير، وألفت الكتب الكثيرة في السيرة النبوية، والمغازي، والتاريخ, والطبقات، وأسست علوم العربية خدمة للقرآن الكريم، كما أن سيول الثقافة الأجنبية قد انصبت على المجتمع المسلم، ووجدت تشجيعًا عظيمًا لا سيما في عهد الخليفة المأمون، وتُرجم الكثير من الكتب إلى اللغة العربية.

أما علوم الحديث، فقد بلغت في عصر الإِمام أبي داود دورها الذهبي، ولقد سايرت علوم الحديث تدوين السُّنَّة في سيره، فتقدمت تقدمًا كبيرًا بما قام به علماء هذه الطبقة من جهود كبيرة في تحرير علوم الحديث وتصنيف المؤلفات الكبيرة فيها. ونظرة عابرة على كتاب: "الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة" لمحمد بن جعفر الكتاني، تكفي للاطلاع على المؤلفات العظيمة في علوم الحديث لعلماء ذلك العصر.

وقد عاش في ذلك العصر أعلام محدثي هذه الأمة كأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وغيرهم.

وفي هذا العصر برز في العالم الإِسلامي لا سيما في حاضرة الخلافة بغداد تيّار التصوف، وقد أوجد هذا التيّار قومًا صالحين زهدوا في الدنيا، فانصرفوا عنها وعن زخارفها، وشغلوا أنفسهم بالاجتهاد في طاعة الله تعالى والإِكثار من ذكره، والاستعداد ليوم المعاد، وكان رؤوس هؤلاء القوم: الفضيل بن عياض، ومعروف الكرخي، وبشر الحافي، والحارث المحاسبي، وغيرهم.

والحق أن الذي كان عليه هؤلاء القوم لم يكتسب اسم التصوف إلَّا فيما بعد، وهو يفترق كثيرًا عن المصطلحات والأحوال التي أصبح عليها فيما بعد من يُدعون بالصوفية.

هذا , ولم يخلُ هذا العصر من هَنَات أساءت للعلم والعلماء، بل

<<  <  ج: ص:  >  >>