بأن النهي فيه محمول على التنزيه وإطلاق اسم العتمة عليها في حديث الباب وغيره من الأحاديث الصحيحة كحديث لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبواً لأن اسم العتمة أشهر عند العرب وقد خاطب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذاك من لا يعرف العشاء
(قوله حتى مضى نحو من شطر الليل الخ) غاية لعدم خروجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أي لم يخرج إلى أن ذهب من الليل ما يقرب من نصفه فخرج فصلى بهم ثم قال خذوا مقاعدكم أي الزموا مجالسكم حتى أحدّثكم عن ثواب تأخير صلاة العشاء كما في رواية النسائي وابن ماجة فخرج فصلى بهم ثم قال إن الناس قد صلوا. ويحتمل أن قوله خذوا مقاعدكم وقع منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل الصلاة أي قال لهم بعد فراغكم من الصلاة خذوا مقاعدكم. وقوله إن الناس قد صلوا المراد بهم المسلمون الذين لم يحضروا صلاة العشاء معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تلك الليلة
(قوله وإنكم لم تزالوا في صلاة الخ) وفى نسخة لن تزالوا. وهو من باب التشبيه البليغ والواو فيه للاستئناف أي إنكم ما دمتم منتظرين الصلاة فلكم ثواب المتلبسين بها لأن المقصود من الصلاة عبادة الله عزّ وجلّ ومراقبته وانتظار العبادة عبادة
(قوله ولولا ضعف الضعيف الخ) أى لولا الضعف والسقم موجودان في الناس لأخرت صلاة العشاء دائما لكن تركت المداومة على تأخيرها لدفع المشقة فبين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فضيلة التأخير من وجهين (أحدهما) أن الناس في صلاة ما داموا منتظرين لها (ثانيهما) أن تأخيرها إلى نصف الليل أكثر ثوابا لكن لرعاية جانبي أصحاب الأسقام والضعفاء الذين لا يستطيعون التأخير قدّمها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن في إحراز فضيلة التأخير تفويت فضيلة تكثير الجماعة وهي أهمّ منها والضعف بضم الضاد المعجمة لغة قريش وبفتحها لغة تميم خلاف القوّة والصحة. ومنهم من فرق فجعل المضموم في جانب الجسد والمفتوح في جانب الرأى والمضموم مصدر ضعف من باب قرب والمفتوح مصدر ضعف من باب قتل. والسقم بضم السين المهملة وسكون القاف المرض مصدر سقم من باب قرب وبفتحها مصدر سقم من باب تعب والاسم منه سقيم وجمعه سقام. والضعيف أعمّ من السقيم لأنه يتناول من به سقم ومن ذهبت قوّته كالشيخ الهرم وكل عاجز عن الحضور وذكر الثانى بعد الأول لشدّة الاهتمام. والحديث حجة لمن قال بأفضلية تأخير صلاة العشاء إلى نحو ثلث الليل
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من العالم أن يعلم الجاهل، وعلى مشروعية الاستعداد لسماع الموعظة، وعلى أن انتظار الصلاة فيه الثواب للمنتظر كثواب المتلبس بالصلاة وعلى أنه يطلب مراعاة حال الضعيف والرحمة به. وعلى عظم رأفة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالضعفاء، وعلى أن الدين سهل لا صعوبة فيه