للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَدْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَضَاجِعِهِمْ فَرَدَدْنَاهُمْ.

(ش) (سفيان) الثوري (نبيح) بالتصغير ابن عبد الله العنزي تقدم بصفحة ١٩٢

(قوله كنا حملنا القتلى الخ) يعني نريد نقلهم إلى المدينة ندفنهم فيها كما في رواية النسائي

(قوله في مضاجعهم) جمع مضجع بفتح الميم والجيم يعني أمكنتهم التي قتلوا فيها

(والحديث) يدل على أن الشهداء يدفنون في مصارعهم ولا يجوز نقلهم إلى مكان آخر, وعليه العلماء, وحمل الأمر بدفنهم في مضاجعهم على الوجوب لأن نقل الميت من موضع يغلب فيه التغير حرام, والظاهر أن هذا خاص بالشهداء وكان في ابتداء أحد, أما بعده فلا, فقد روى أن جابرًا نقل أباه عبد الله وقد قتل في أحد إلى البقيع بعد سته أشهر ودفنه بها, قال الطيبي والظاهر أنه إن دعت الضرورة إلى نقل نقل وإلا فلا اهـ

أما نقل غير الشهيد من بيته الذي مات فيه إلى المقبره فأمر مجمع عليه, وأما نقله من بلد إلى أخرى. فذهبت المالكية إلى جوازه قبل الدفن وبعده إذا كان لمصلحة كأن يخاف عليه أن يأكله البحر أو السبع أو لرجاء بركته للمكان المنقول إليه أو زيادة أهله أو لدفنه بين أهله ما لم تنتهك حرمته بانفجاره أو نتانته, لما رواه مالك في موطئه من أنه سمع غير واحد يقول: إن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق فحملا إلى المدينة ودفنا بها, قالوا ومن انتهاك الحرمة تكسير عظامه بعد يبسه في قبره.

وقالت الحنفية لا بأس بنقله قبل دفنه قيل مطلقًا وقيل إلى ما دون مسافة القصر, وقيد محمَّد الجواز بقدر ميل أو ميلين لأن مقابر البلد ربما بلغت هذه المسافة, فيكره فيما زاد, قال في النهر عن عقد الفرائد وهو الظاهر أما نقله بعد دفنه فلا يجوز مطلقًا. قال ابن الهمام ولا ينبش بعد إهالة التراب لمده طويلة ولا قصيرة إلا لعذر كأن يظهر أن الأرض مغصوبة أو يأخذها شفيع أو يسقط في اللحد مال أو ثوب أو درهم لأحد.

واتفقت كلمة المشياخ في امرأة دفن ابنها وهي غائبة في غير بلدها فلم تصبر وأردات نقله أنه لا يسعها "أي لا يسوغ لها" ذلك فتجويز شواذ بعض المتأخرين لا يلتفت إليه, ولم يعلم خلاف بين المشياخ في أنه لا ينبش وقد دفن بلا غسل أو بلا صلاة, فلم يبيحوه لتدارك فرض لحقه يتمكن منه به, أما إذا أرادوا نقله قبل الدفن أو تسوية اللبن فلا بأس بنقله نحو ميل أو ميلين لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار اهـ.

وقالت الشافعية يحرم نقله قبل الدفن من بلد إلى أخرى وإن لم يتغير لما فيه من تأخير دفنه ومن التعريض لهتك حرمته. وقيل يكره إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس وقالوا لو مات سنيّ في بلد المبتدعة "يعنون الكفار" نقل إن لم يمكن إخفاء قبره, وكذا لو مات أمير الجيش ونحوه بدار الحرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>